مع السيطرة الصهيونية على أراضي الشعب العربي في فلسطين، فإننى ألاحظ أن نظرية المؤرخ أرنولد توينبي عالجت ظهور الصهيونية وسلوكيتها، وبيّنت أيضا جرائمها السافرة، خاصة مذبحة دير ياسين، حيث يقول: «الجريمة التي ارتكبها الصهاينة ضد العرب الفلسطينيين يمكن أن تقارن بالجرائم التي ارتكبها النازيون بحق اليهود من ذبح الرجال والنساء والأطفال في دير ياسين باليوم التاسع من أبريل سنة 1948». هذه الجريمة، التي عجلت بفرار العدد الكبير من السكان العرب من المناطق القريبة للقوات الصهيونية، تتحقق في هذه الأرض العربية، فبقدر ما هناك من تحد صهيوني لحقوق الشعب العربي، فهناك رد فعل واضح وبارز ضد كل أعمال العنف والقوة والاستبداد. لقد هب العرب يطالبون بحقوقهم بجميع الوسائل، ووقف العالم إلى جانبهم يؤيدهم ويدعمهم، وانطلقت الصيحات من منابر المؤسسات السياسية والثقافية تعلن أن الصهيونية فكرة عنصرية، ومبدأ عدواني للإنسانية، واجب محاربتها ومقاطعتها وعزلها، حفاظا على الحضارة وسلامة للبشرية.

إن الصهيونية، التي تمكنت بمساعدة المستعمرين الإنجليز والأمريكان من إقامة هذا الكيان غير الطبيعي في أرض فلسطين العربية، أمر مخالف لمنطق التاريخ، فإسرائيل جسم غريب في الوطن العربي، مرفوض عرفا وقانونا وتقليدا، ومستنكر على مستوى الرأي العام العالمي، وغير مقبول إطلاقا من الناحية التاريخية، فالوجود الصهيوني في أرض فلسطين العربية يمثل أبشع جريمة تاريخية للحضارة البشرية والتمدن الإنساني، عصابات عدوانية تسيطر بالقوة، وبمساعدة المستعمرين، على أراضٍ وتغتصبها من أصحابها الشرعيين، وتطرد السكان الآمنين، وتشرد الشيوخ والنساء والأطفال، وهذه هي مخيمات اللاجئين الفلسطينيين تنتشر في بقاع عدة، تضم الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني وهم في أقسى حياة. إنها حقا لمن أصدق صور جرائم الصهيونية بحق الحضارة والتمدن الإنساني.

إن ظهور الأفكار الصهيونية ومبادئها الشريرة أدى إلى قيام الحروب والنزاعات العديدة التي سببتها المؤامرات الصهيونية.


1977*

* كاتب ودبلوماسي مصري «1932 - 2014»