أيامٌ خمسة نستقبل بعدها شهر الصيام؛ سلمنا الله له، وسلمنا له، وتسلمه منا متقبلاً. مقالي هنا بخصوص التباين البيِّن بين ساعات الصيام في المناطق الاستوائية والمعتدلة، وبين المناطق ذات خطوط العرض العالية.. ساعات الصيام في المناطق القريبة من خط الاستواء كالخرطوم لا تزيد عن (14:28) ساعة، وهي قريبة من ساعات الصيام في مكة المكرمة (14:56)، وكلما ابتعدنا عن خط الاستواء ازدادت الساعات لتصل مثلاً إلى (18:39) في باريس، وكلما اقتربنا من المنطقة القطبية تزيد لتصل إلى (22:53ساعة) في شمال فنلنده. أما في المنطقة القطبية نفسها فالأمر مختلف إذ سيكون النهار أياماً مستمرة، وكذلك الليل. ولأن ساعات الصيام الطويلة تسبب مشقةً كبيرة على القاطنين المسلمين في تلك المناطق، بحث العلماء عن الحلول الكفيلة برفع المشقة ودفعها، ووصلوا إلى آراء متعددة.. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء أجابت في عام 1395 بقولها: "إذا تميز النهار من الليل في مكان ما؛ وجب على المكلفين من سكانه في رمضان أن يصوموا ويمسكوا عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ذلك اليوم طال النهار أم قصر"، وسار مجمع الفقه الإسلامي في دورته الخامسة عام 1402 على نفس المسير، وقرر المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث ذلك من جديد في عام 1431. أما علماء الأزهر الشريف ولجنة الفتوى بالأزهر (وغيرهم) فمنذ عام 1401 وهم يكررون ويفيدون بأن: "من يعيش في البلاد التي يطول فيها النهار طولاً بعيداً لا يُستطاع معه الصيام طول النهار، عليه أن يبدأ الصيام من أول طلوع الفجر في البلد الذي يعيش فيه، ويستمر صيامه ساعات تساوي الساعات التي يصومها من يعيش في مكة المكرمة.. ولو كان النهار موجوداَ"، ومن أشهر من أفتى بذلك فضيلة شيخ الجامع الأزهر وأول من حمل لقب الإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت رحمه الله، قال في فتاواه المطبوعة: "صيام ثلاث وعشرين ساعة من أصل أربع وعشرين تكليف تأباه الحكمة من أحكم الحاكمين، والرحمة من أرحم الراحمين". ووافقه الشيخ مصطفى الزرقا رحمه الله؛ أحد أبرز علماء الفقه في العصر الحديث، والحاصل على جائزة الملك فيصل العالمية للدراسات الإسلامية عام 1404 لإسهاماته المميزة في مجال الدراسات الفقهية، وخاصة كتابه (المدخل إلى نظرية الالتزام في الفقه الإسلامي)؛ في تحفظ له مشهور كرره في مؤلفه (العقل والفقه في فهم الحديث النبوي). وقد اعتبر الشيخ محمد حميدالله الحيدر أبادي، الذي ألف عنه سيد الغوري كتاب (سفير الإسلام وأمين التراث الإسلامي في الغرب) في دراسة تطبيقية له أن الحد الأدنى للنهار (8) ساعات والحد الأعلى (16) ساعة يجب أن توزع فيها مواقيت الصلاة صيفاً وشتاء.

مقالي ليس لذكر الأدلة والترجيح والانتصار، بل للتفكير قبل تبني رأي مما سبق، خاصة أن من يعاني يرى أن الرأي بالصيام حسب تميز الليل والنهار دون نظرٍ إلى الفارق العظيم في مدة كلٍ منهما يتنافى كل التنافي مع مقاصد الشريعة وقاعدة رفع الحرج، ويرى أنه ليس من المعقول توزيع صلوات النهار أو الليل على ساعة مثلاً، أو صيام ساعة وإفطار ثلاث وعشرين، أو العكس، ويرى أن رعاية مقاصد الشرع في توزيع الصلوات، ومدة الصوم بصورة يكون فيها تكليفٌ بما يطاق، مع تحقيقٍ للمقصود الشرعي دون انتقاص أمر هام (من الهم) ومهم (من الأهمية).