ومن أبرز دلائل الحكمة في القيادة السعودية اعتمادها القدوة الحسنة مبدأً أصيلًا في تعاملها مع شعبها، إذ يبادر الملوك والقادة بفعل الخيرات قبل مطالبة الآخرين بها، ويُظهرون الالتزام بمكارم الأخلاق دون الحاجة إلى توجيه مباشر. ولأن علاقة الشعب بقيادته تجاوزت مرحلة الولاء والانتماء إلى الحب والتعلق، فقد كان طبيعيًا أن يقتدي السعوديون بقادتهم ويسيروا على نهجهم. هذا المبدأ الأصيل، وإن ارتبط بتاريخ الدولة منذ التوحيد، إلا أنه ازداد رسوخًا في العهد الزاهر بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، حفظهما الله. وأضحت خطوات ولي العهد الملهم الشاب بمثابة هدي يسير على أثره غالبية الشعب، طوعًا واختيارًا. ومن الشواهد القريبة على ذلك ما شهدته مراكز التبرع بالدم مؤخرًا من إقبال واسع، بعدما بادر ولي العهد نفسه بالتبرع، مقتطعًا من وقته الثمين ليجسد قيمة إسلامية سامية تسهم في إنقاذ الأرواح. وهو مشهد يكشف بوضوح كيف تتحول المبادرة القيادية إلى حافز مجتمعي. وليست هذه الحالة الوحيدة؛ ففي كل حملات التبرعات والإغاثة، داخل المملكة أو خارجها، يكون خادم الحرمين وولي عهده أول المانحين، فتتابع بعدها التبرعات من بقية المسؤولين ورجال الأعمال وسائر فئات الشعب. وكذلك خلال أزمة كورونا، حينما تردد البعض في أخذ اللقاح، بادرت القيادة بتلقيه علنًا، فبدّد ذلك المخاوف، وأسهم في إقبال المواطنين والمقيمين على التطعيم وتجاوز الأزمة.
وخلاصة القول، إن القيادة السعودية تتبنى مفهوم «القدوة الحسنة» مبدأً أساسًا، فتقدم نموذجًا للسلوك والقيم والأخلاق يحتذى به، وهو أسلوب يجمع بين مهارات القيادة الفاعلة والالتزام الأخلاقي لتحقيق أهداف مشتركة. وهذا النهج يتقاطع مع مبادئ الحكم الرشيد التي تؤكدها المواثيق الدولية، حيث يُعد القائد مصدر إلهام لا مجرد مصدر أوامر، فيمكّن الأفراد ويُلهمهم، ويعزز القيم النبيلة، ويدفع عجلة التغيير الإيجابي.
لذلك، فإن القائد في الفكر السياسي السعودي ليس مجرد شخص يشغل منصبًا، بل رمز يجمع بين الكفاءة والخلق، قادر على توجيه الآخرين نحو الأهداف بأقصر الطرق وأكثرها أثرًا. فالأفعال هنا تتحدث بصوت أعلى من الأقوال، وهو ما يرسخ القيم المهنية والأخلاقية في المجتمع.
ومن الإنصاف أن نقول إن القيادة السعودية تقدم نموذجًا يستحق أن يُدرَس، إذ كان أبرز انعكاساته هذه اللحمة الوطنية المتينة، فهنيئًا للشعب السعودي بقيادته الواعية الحكيمة التي أكرمه الله بها، وجعلها سببًا في التطور الذي يشهده، وهي التي لا تتوانى عن بذل كل ما يعلي شأنه ويرتقي بحياته. ومع استمرار هذا النهج، فإن الأجيال القادمة ستجد في قادتها معينًا لا ينضب من الإلهام والاقتداء، بما يضمن استدامة مسيرة النهضة السعودية.