كرة القدم في جازان ليست هواية عابرة، بل أشبه بثقافة جمعية. تمامًا كما هو الحال في جدة، لا يمكن أن تفصل الناس عن عشقهم للكرة. الملاعب الترابية هناك تكتظ بالصغار والكبار، بعضهم يحلم بأن يكون نجمًا، وآخرون يرون في الكرة وسيلة للهرب من رتابة الحياة. ومع ذلك، ما زالت جازان تفتقد إلى ملعب جماهيري حقيقي، يوفّر بيئة آمنة، ويحوّل الشغف إلى قيمة حضارية واقتصادية ورياضية.
إهمال البنية التحتية الرياضية في المنطقة لا يقتصر على كرة القدم فقط. كثير من أبطال الألعاب الأولمبية وأصحاب الإنجازات الفردية السعودية ينحدرون من جازان. من ألعاب القوى إلى رفع الأثقال، مرورًا برياضات الدفاع عن النفس، نجد أن أبناء المنطقة قدّموا أسماء حفرت حضورها عربيًا ودوليًا. ما الذي ينقص؟ ليس المواهب، ولا الحماس، بل الدعم المؤسسي، والملاعب، والاستثمار الرياضي.
نحن اليوم نعيش عصرًا مختلفًا. أصبحت الرياضة جزءًا من رؤية المملكة 2030، وأداة في تشكيل الهوية الوطنية وتعزيز الحضور العالمي. النجاحات الأخيرة للكرة السعودية، أندية أو منتخبات، فتحت نافذة أمل وأشعلت توقعات أكبر. وإذا أردنا استمرار هذه الإنجازات وضمان تدفق الموهبة جيلاً بعد جيل، فلا يمكن أن نغفل عن جازان. الاستثمار في ملاعبها ومنشآتها ليس رفاهية، بل ضرورة وطنية.
المعادلة بسيطة: كلما زاد الدعم والبنية التحتية، تحولت المواهب الطبيعية إلى طاقات احترافية. تخيّل لو أن المواهب الجازانية، التي تلمع في ظروف شبه بدائية، حظيت بأكاديميات وملاعب حديثة ورعاية متخصصة. كم لاعب جديد كان سيولد؟ وكم نجم سيُضاف إلى خارطة المنتخب الوطني؟ وكم بطولة يمكن أن تكون حصيلتنا؟
قد يقال: الملعب ليس كل شيء. صحيح، لكنه البداية. هو الرمز الذي يوحّد الناس ويمنحهم شعورًا بالانتماء. هو المكان الذي يصنع ذاكرة جماعية، ويفتح الباب للأحلام الصغيرة لتتحول إلى بطولات كبيرة. جازان تستحق ملعبًا جماهيريًا، وأن ترى شغفها يُترجم إلى بنية تحتية حقيقية، وأن تكون جزءًا من المشهد الرياضي الوطني لا مجرد هامش فيه.
ولعل أجمل ما يرمز لشغف جازان الاستثنائي بكرة القدم هو ذلك الملعب المنحوت وسط الجبل، تحفة معمارية رياضية نادرة تُدهش كل من يراها. ملعب لم يأتِ من فراغ، بل هو تجسيد حي لولع أبناء المنطقة باللعبة، حتى صار يتصدر التصنيفات كواحد من أجمل الملاعب في آسيا، بل ربما في العالم كله، من الناحية الفنية والجمالية. ليس مجرد ملعب، بل لوحة طبيعية مرسومة بالحجر والأخضر، تجتمع فيها صلابة الجبل مع حيوية العشب، لتصنع مشهدًا لا يتكرر. إن وجود مثل هذا الملعب في قلب الجبال لا يرمز فقط إلى حب كرة القدم، بل إلى قدرة هذه الأرض على تحويل العشق الشعبي إلى معمار خالد، يجمع الفن والرياضة، الطبيعة والإنسان، في صورة قلّ ما تجد لها مثيلًا حول العالم. ibnzadan@