في وقتٍ تتجه فيه ملايين النساء حول العالم إلى تطبيقات الهواتف الذكية لإدارة صحتهن الإنجابية، من تتبع الدورة الشهرية إلى متابعة مؤشرات الحمل، يطفو على السطح سؤال مقلق:

هل تحولت هذه الأدوات الرقمية من وسيلة للتمكين الصحي إلى بوابة للمراقبة والاستغلال؟

كشف تقرير حديث للمعهد الملكي للشؤون الدولية "تشاتام هاوس" في لندن أن قطاع "التكنولوجيا النسائية" Femtech، الذي تقدر قيمته بعشرات المليارات من الدولارات، يخفي وراء وعوده البراقة اقتصاد بيانات سرياً، يهدد خصوصية النساء، ويضعهن في مواجهة مخاطر قانونية واجتماعية لم تكن في الحسبان.


وعد التمكين الرقمي

شهدت تطبيقات الصحة النسائية طفرة غير مسبوقة خلال الأعوام الأخيرة، لتصبح جزءاً من الروتين الصحي لملايين النساء في العالم. هذه التطبيقات تقدم حلولاً بسيطة وذكية، مثل التنبؤ بمواعيد الدورة الشهرية، متابعة الأعراض الجسدية، وتحديد فترات الخصوبة، مما وفر للمستخدمات فهماً أعمق لأجسادهن.

ووفقاً لتقديرات حديثة للمعهد الملكي للشؤون الدولية، فإن حجم قيمة سوق قطاع التكنولوجيا النسائية سوف يتجاوز الـ60 مليار دولار بحلول عام 2027.

لكن وراء هذا النجاح التجاري السريع، يبرز تحدٍ خطير وهو: ضعف آليات حماية البيانات الصحية، التي تتجاوز مجرد تواريخ الدورة لتشمل تفاصيل دقيقة عن الحالة المزاجية، النشاط الجنسي، وحتى مؤشرات الأمراض.

اقتصاد البيانات النسائية

يعتمد نموذج عمل كثير من هذه التطبيقات على الاقتصاد الخفي للبيانات. فبينما تحصل المستخدمات على خدمات مجانية، تقوم الشركات بجمع معلوماتهن "وإخفاء هويتها" شكلياً، ثم بيعها لشركات أبحاث ومعلنين، أو حتى شركات تأمين.

لكن دراسة "تشاتام هاوس" تؤكد هشاشة هذا النموذج، حيث يسهل إعادة تحديد هوية الأفراد عبر دمج البيانات مع مصادر أخرى.

الأمر لا يتوقف هنا؛ فقد كشف "المجلس الدولي للمساءلة الرقمية" (IDAC) عام 2021 أن بعض التطبيقات أرسلت بيانات حساسة وغير مشفرة إلى أطراف خارجية، بعضها في دول لا تملك تشريعات قوية لحماية الخصوصية، ما يجعل بيانات النساء عرضة للاختراق والاستغلال.

ثغرات أمنية خطيرة

القضية التي طالت تطبيق "Glow" الشهير عام 2020 أبرزت هذه المخاطر بوضوح. فقد توصلت ولاية كاليفورنيا إلى تسوية قانونية مع الشركة بعد إثبات وجود "إخفاقات أمنية فادحة" سمحت للمستخدمين بالاطلاع على بيانات صحية بالغة الحساسية لمستخدمات أخريات، مثل تفاصيل حالات الإجهاض والأمراض المنقولة جنسياً.

ورغم أن الشركة أجرت تعديلات لاحقة، فإن الحادثة كشفت هشاشة الثقة التي تبنى عليها هذه التطبيقات، وعمق المخاطر التي قد تواجهها النساء عند مشاركة بياناتهن.

مخاطر اجتماعية ونفسية

تشير دراسة "تشاتام هاوس" إلى أن هذه البيانات قد تُستغل في سياقات اجتماعية أكثر تعقيداً. ففي حالات العنف الأسري، قد يستخدم شريك مسيء بيانات التطبيق لممارسة "التحكم القسري الرقمي"، عبر متابعة الدورة الشهرية للضحية وتقييد خياراتها الإنجابية.

كذلك قد تستغل شركات التأمين هذه البيانات للتمييز ضد النساء المصابات بحالات صحية معينة. وحتى على المستوى النفسي، يمكن أن تتحول الإعلانات الموجهة إلى مصدر ألم عاطفي، كما في حالة امرأة تعرضت للإجهاض وتلاحقها إعلانات منتجات الأطفال، في تذكير رقمي دائم بصدمتها.

ـ 60 مليار دولار حجم سوق الـFemtech بحلول 2027

ـ اقتصاد خفي يبيع البيانات النسائية لشركات إعلان وأبحاث وتأمين

ـ بعض التطبيقات ترسل بيانات غير مشفرة إلى أطراف خارجية

ـ نوعية البيانات التي يمكن للتطبيقات تسريبها:

الأعراض الجسدية

الصحة النفسية والمزاج

الدورة الشهرية

النشاط الجنسي

الحمل