كشفت الحرب بين إيران وإسرائيل، وما أعقبها من تداعيات، عن حدود علاقات طهران مع روسيا والصين. فمن ناحية، تدعم هذه الدول بعضها البعض دبلوماسيًا، وبصورة محدودة عسكريًا، كما وقعت إيران شراكات إستراتيجية مع كلتا الدولتين. ومع ذلك، لم تتدخل روسيا أو الصين بشكل علني لصالح طهران في الحرب التي استمرت 12 يومًا، واكتفيتا إلى حد كبير بإدانة الضربات الإسرائيلية والأمريكية، مع تجديد دعمهما لحق إيران في الدفاع عن نفسها.
يمكن القول إن الترتيبات الحالية بين إيران وراعيتيها القوتين العظميين تخدم مصالح موسكو وبكين أكثر مما تخدم طهران. فقد حصلت روسيا على حق الوصول إلى التكنولوجيا العسكرية الإيرانية مقابل وعود غامضة بتقديم دعم عسكري، بينما حصلت الصين على النفط الإيراني الرخيص، الذي تُشكل مبيعاته شريان الحياة لاقتصاد طهران، دون أن تُضطر بكين إلى تقديم مقابل يُذكر. منذ اندلاع الحرب، يُعبّر المعلقون الإيرانيون عن شكواهم ضد روسيا والصين.
ماذا يمكن أن تفعل روسيا لإيران؟
تظل أولويات موسكو في المنطقة كما كانت قبل اندلاع الصراع، وتتمثل في ترسيخ دورها كوسيط، وهو دور عبر الكرملين عن استعداده لتوليه، مع الاستمرار في دعم القوى المناهضة للولايات المتحدة. وفي إطار هذه اللعبة المزدوجة، تسعى موسكو إلى الظهور كقوة عظمى لا يمكن الاستغناء عنها، وتستخدم هذا الموقع لخلق نفوذ خاص بها. كما تحرص على الحفاظ على علاقات جيدة مع جميع الأطراف الفاعلة في المنطقة، وبالتالي لن تذهب بعيدًا في دعم إيران. ومع ذلك، فإن مشاركة موسكو في المحادثات الدبلوماسية بشأن إيران ستجعلها تتصرف أساسًا بوصفها مدافعًا عن طهران.
من جانبها، تسعى إيران للحصول على الدعم الدبلوماسي من القوتين. قد تتجاوز موسكو حدود الدعم الدبلوماسي لتقديم أشكال أخرى من المساعدة لبرنامج إيران النووي، مع الاستمرار في ادعاء أنها تلعب دور الوسيط المحايد. فهي تزود بالفعل محطة بوشهر النووية بالوقود، ويمكنها توفير المزيد. كما بإمكانها إرسال تكنولوجيا إضافية وخبرات نووية، سواء سرًا أو علنًا، والتعاون في أبحاث ذات استخدام مزدوج تتصل بجهود تسليح البرنامج النووي.
ما نوع الدعم الذي قد تقدمه الصين؟
سعت بكين في السنوات الأخيرة إلى موازنة علاقتها مع إيران بعناية، مع الحرص على عدم الإخلال بعلاقاتها المتنامية مع بقية دول المنطقة. ويتماشى هذا مع الاتفاقية التي توسطت فيها الصين بين السعودية وإيران في عام 2023 تمامًا مع طموحاتها الأكبر في أن يُنظر إليها كوسيط محايد في النزاعات العالمية، وفي تعزيز نهج مغاير تجاه الشرق الأوسط.
على الرغم من تحول التركيز، إلا أن العلاقات مع إيران عادت بفوائد كبيرة على الصين، فبعد أن فرضت الولايات المتحدة عقوبات على شركة تكرير نفط مملوكة للدولة الصينية في عام 2019، حاولت بكين التحايل على القيود من خلال شراء النفط الإيراني عبر شبكة معقدة من عمليات النقل من سفينة إلى سفينة ومصافي تكرير شبه مستقلة. والنتيجة النهائية هي استمرار وصول الصين إلى النفط الإيراني بأسعار أقل من أسعار السوق، مما يعود بفوائد غير متناسبة على بكين: فحوالي 90 % من صادرات النفط الإيرانية تتدفق إلى الصين، بينما يشكل النفط الإيراني حوالي 11 % من إجمالي واردات الصين. كما يُقال إن بكين تدفع لإيران بالعملة الصينية أو تمنحها ائتمانات لشراء معدات صينية، مما يعود أيضًا بفوائد غير متناسبة على بكين. في المقابل، تستفيد إيران من سوق موثوق لتصدير نفطها، حتى وإن لم يكن مرغوبًا فيه بالكامل، إضافةً إلى دعم دبلوماسي من عضوٍ دائم في مجلس الأمن الدولي، ومنافس إستراتيجي رئيس للولايات المتحدة.
وقدمت الصين دعمًا عسكريًا ملموسًا، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، حيث فرضت الولايات المتحدة عقوبات على شركات صينية لتزويدها إيران بمواد دافعة لصواريخها الباليستية ومكونات لطائراتها المسيرة.
لقد كشفت الحرب بين إيران وإسرائيل عن خطوط الصدع في علاقات طهران مع روسيا والصين، وبدورها، وهنا بادرت واشنطن وما زالت تسعى إلى العمل على عدة خطوات:
• إبقاء روسيا والصين خارج المفاوضات النووية. بحيث تُجرى المحادثات مستقبلية بين الولايات المتحدة وإيران على أساس ثنائي أو بحضور مجموعة الدول الأوروبية الثلاثة (E3).
كما أن على واشنطن أن ترفض رفضًا قاطعًا أي دور لأي من القوتين في تفتيش برنامج إيران النووي؛ إذ يجب أن تظل هذه المسؤولية من اختصاص الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
• تبادل المعلومات الاستخبارية حول الدعم الروسي والصيني لإيران مع الشركاء الإقليميين والدوليين.
• إطلاق حملة إعلامية لتحذير الدول من مخاطر علاقات إيران الوثيقة مع روسيا والصين.