اتفاق الدفاع المشترك مع باكستان جاء ليؤكد أن السعودية لا تفكر بنفسها فقط، بل بأمتها الإسلامية وبمصير شعوبها. وهو ليس ورقة تفاهم عابرة، بل تحالف يربط بين دولتين تمثلان عمقًا استراتيجيًا فريدًا: فباكستان دولة نووية تمتلك قوة الردع العسكرية، والسعودية مهبط الوحي وقبلة الملايين من المسلمين وبنك الطاقة العالمي الذي تعتمد عليه الاقتصادات الكبرى. اجتماع هاتين الصفتين تحت مظلة تعاون صادق يعني بروز قوة عظمى بصياغة جديدة، لا تقتصر على السلاح ولا على الاقتصاد، بل على الشرعية الدينية والوزن السياسي والمكانة الدولية.
ومع ذلك، لم تغب فلسطين يومًا عن البوصلة السعودية، بل كانت دائمًا في القلب. سمو ولي العهد لم يكتفِ بموقف تقليدي، بل رفع صوت المملكة عاليًا، وحشد المواقف الدولية لتبقى فلسطين حاضرة في الضمير العالمي. لم يتحدث عن فلسطين كملف سياسي فقط، بل كقضية حق وعدالة، كواجب ديني وأخلاقي لا يمكن التنازل عنه. وهكذا تحوّل صوت السعودية إلى مرجع أخلاقي وسياسي، يفرض احترامه ويُعيد التوازن في زمن كثرت فيه الضغوط والتحديات.
العالم اليوم لم يعد أحادي القطب كما كان، بل أصبح متعدّد الأقطاب، تتصارع فيه المصالح وتتغيّر فيه التحالفات. وسط هذه المتغيرات، برزت السعودية كقوة مطلوبة من الجميع، ووجهة لا يمكن الاستغناء عنها. القوى العظمى، رغم اختلافاتها وتباين مصالحها، ترى في المملكة حليفًا موثوقًا وضامنًا للأمن والسلام العالمي، لا بحكم مواردها فحسب، بل بحكم سياستها المتزنة، ورؤيتها التي تضع الاستقرار فوق أي اعتبار.
وفي قلب هذا التحول، يبرز دور ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. لم يكن قائدًا تقليديًا يكتفي بإدارة شؤون يومية، بل صاغ مشروعًا وطنيًا شاملًا، وجعل من السعودية قصة نجاح عالمية. من رؤية 2030 التي كسرت حدود التوقع، إلى إعادة تعريف مفهوم القيادة في العالم الإسلامي، إلى صياغة مواقف جعلت المملكة في صدارة الدفاع عن قضايا الحق والعدل. لقد حوّل محمد بن سلمان صورة السعودية من مجرد قوة إقليمية إلى لاعب عالمي يسمع صوته الجميع، ويُحسب له حساب في كل معادلة.
وهكذا يصبح اليوم الوطني أكثر من مناسبة، إنه شهادة ميلاد متجددة لوطنٍ اختار أن يرسم الطريق بنفسه، ويصنع المواقف لا أن يكتفي بردّ الفعل، ويكتب المعادلة بدل أن يكون مجرد رقم فيها. وطن جمع بين مكة والمدينة، وبين الطاقة والاقتصاد، وبين السياسة الحكيمة والرؤية الطموحة، وبين قائد شاب أعاد للأمة الإسلامية ثقتها في نفسها، وأعاد للعالم احترامه لصوتها.