حين أحرز منتخب المغرب للشباب نهائي كأس العالم 2025، وسبقه إنجاز المنتخب الأول الذي أحرز المركز الرابع في المونديال الأخير، لم يكن ذلك ضربة حظ ولا مفاجأة عابرة. كان الأمر ثمرة مشروع وطني طويل النفس، وُضع أسسه قبل سنوات وقُطف ثماره اليوم، فما بين عامي 1998 و2018 فشل المغرب في الصعود لكأس العالم في 4 نسخ، كما غاب عن 4 نسخ من كأس الأمم الإفريقية، ولكن منذ وصول فوزي لقجع في 2017 لمنصب رئيس الاتحاد المغربي لكرة القدم بدأت النتائج تظهر سريعًا، من خلال الاعتماد على خطواتٍ رئيسة، وتطبيقها على مختلف قطاعات وفئات كرة القدم في البلاد. خطة متكاملة للاتحاد المغربي لكرة القدم تتضمن منتخبات الكرة بمختلف فئاتها السنية الرجالية والنسائية، وكذلك الطلب من الأندية القيام بدورها الوطني وعمل الاتحاد المغربي لكرة القدم على تطوير البنية التحتية الرياضية في البلاد، من خلال إنشاء ملاعب جديدة وتطوير الملاعب الموجودة، حتى أصبح المغرب قادرًا على استضافة كأس الأمم الإفريقية 2023 من خلال 9 ملاعب دولية، وينتهي الأمر بنجاح ملف استضافة كأس العالم رفقة إسبانيا والبرتغال. ناهيك عن أنه خلال فترة تراجع الكرة المغربية، أنشئت أكاديمية محمد السادس لكرة القدم عام 2009 التي بُنيت بهدف تطوير الرياضة الوطنية في المغرب، وهو ما أثمر نتائج مبهرة، إذ كانت الأكاديمية تعليمية ورياضية في آنٍ واحد، واحتوت على فضاءٍ مخصص للدراسة يضم 10 قاعات تدريس، وقسم للطب الرياضي، ليتم العمل بأحدث الطرق التقنية لإنتاج المحترفين في العالم. والعديد من المواهب الكبرى خرجت من هذه الأكاديمية؛ وعلى رأسهم يوسف النصيري ونايف أكرد وحمزة منديل وعز الدين أوناحي، و9 لاعبين من منتخب تحت 17 عامًا، و6 لاعبات من منتخب السيدات، لتتحول الأكاديمية لمنجم ذهب لمختلف منتخبات المغرب، ونواة لتحقيق العديد من الإنجازات في المحافل الدولية،وألزم الاتحاد المغربي لكرة القدم الأندية بإنشاء مدارس تأسيسية للمساعدة في الكشف عن المواهب وتنميتها، وهو ما جعل الأندية المغربية تبدأ في إخراج مواهب كبرى؛ بعضهم احترف في أوروبا، والبقية منحوا الأندية المغربية إنجازاتٍ كبرى في المحافل الإفريقية والدولية، ونتيجة كل هذه الإستراتيجية تحقيق منتخب الشباب لكأس العالم في تشيلي 2025: ووصول المنتخب المغربي إلى نصف نهائي كأس العالم في قطر 2022، وحقق المركز الرابع بالبطولة، وبلغ الدور ربع النهائي في كأس العالم تحت 17 سنة 2023. والمنتخب الأولمبي المغربي بدوره حقق كأس أمم إفريقيا تحت 23 عامًا ووصل لأولمبياد باريس، أما منتخب كرة الصالات، فحقق لقب كأس القارات 2022 ما أوصلهم إلى التصنيف العالمي الثامن في إنجازٍ غير مسبوق. و العامل المشترك في هذه الإنجازات أنها تحدث لأول مرة في تاريخ إفريقيا والعرب.

وفي المقابل، نجد أن منتخباتنا السعودية، رغم الدعم المالي الضخم والإمكانات الهائلة، ما زالت تتعثر في مثل هذه البطولات وتخرج بنتائج هزيلة، وإذا أردنا البحث عن خلفية هذا التفوق للمنتخبات المغربية والإفريقية عموماً سنجد أنها ركّزت مبكرًا على البنية التحتية، فكانت أكاديمية محمد السادس لكرة القدم بمثابة مصنع للمواهب. خرجت منها أسماء أصبحت نجوماً عالمية، وهي اليوم الرافد الرئيس للمنتخبات الوطنية. أما نحن، فقد صُرفت المليارات على التعاقد مع نجوم عالميين للفرق السعودية ولا ننكر دورها في رفع مستوى الدوري إضافة إلى قيمتها الإعلامية ورفع مستوى اللاعب السعودي عبر اللعب والاحتكاك مع هؤلاء اللاعبين العالميين، ولكن أنى تأتي تلك الفائدة المرجوة في ظل اللعب بثمانية لاعبين أجانب في المباراة، وتوازى ذلك مع ذلك إهمال للبنية الأساسية السليمة والتي كانت ستكون توطئة لبناء متين للفئات السنية، والنتيجة: مشروع يزرع في الصغار مقابل مشروع يبحث عن انتصارات سريعة. اللاعب المغربي والإفريقي بصفة عامة يتربى في أندية أوروبية منذ صغره، فيحتك بأعلى المستويات، ويعيش ضغط المنافسة الحقيقية، ويتعلم الانضباط والاحترافية، بينما غالبية لاعبينا محليو الخبرة، يعيشون في أجواء مريحة، بعيدًا عن التحدي اليومي وجو الاحتراف الحقيقي. وهذه الفجوة الذهنية والبدنية تترجم مباشرة في الملعب. المغرب صبر على مشروعه الوطني ولم يغير المدربين كل موسم، ولم يوقف مشروعًا بسبب خسارة مباراة. أما نحن، فالتغييرات لدينا متسارعة: اتحاد يتبدل، مدرب يُقال، وخطة تضيع. كرة القدم تُبنى برؤية وطنية وإستراتيجية طويلة المدى، لا بعقلية «المقاول» قصير الأجل. ولكن ماهي أبرز العناصر لرسم خارطة طريق لإيجاد كرة سعودية عالمية:

1-إنشاء أكاديميات كبرى وبمعايير عالمية تتبع الاتحاد السعودي والأندية الكبيرة، خاصة تلك التي يشرف عليها الصندوق الاستثماري السيادي، ولقد رأينا مخرجات أكاديمية النادي الأهلي.


2-إنشاء أكاديميات تابعة للاتحاد السعودي في باقي المناطق التي لا توجد بها أكاديميات لضمان تغطية جغرافية شاملة.

3-التفعيل والاهتمام بدوري المدارس ودوريات الأحياء. فكم رأينا من نجوم ومواهب خرجت من تلك المنافسات.

4-بناء ملاعب في الأحياء عبر التوسع في مراكز الأحياء ونشر شبكة من الكشافين لاكتشاف المواهب مبكراً وربطها بالأكاديميات.

5- تحديد مشاركة اللاعب الأجنبي بأربعة أو خمسة لاعبين على الأكثر في كل نادٍ. ومنع التعاقد مع حراس مرمى أجانب لضمان تطوير الحراس السعوديين.

6- تفعيل برامج التجنيس للمواهب الشابة الأجنبية، خصوصًا من أمريكا الجنوبية وإفريقيا.

7- التعاون مع الأكاديميات العالمية «عبر عقد شراكات إستراتيجية مع أندية وأكاديميات أوروبية وبرازيلية شهيرة».

8- إرسال البراعم والناشئين للاحتكاك بالخارج ضمن برامج تبادل رياضي.

9- البناء البدني والتأهيل النفسي عبر تأسيس مراكز متخصصة في الإعداد البدني واللياقة منذ المراحل المبكرة. وإدماج خبراء تغذية وطب رياضي وعلم نفس رياضي لمرافقة الناشئين.

10- إصلاح هيكلية الاتحاد والإعلام الرياضي وضرورة أن يتولى قيادة الاتحاد السعودي لكرة القدم أشخاص ذوو خبرة ودراية حقيقية بكرة القدم، مع الاستعانة بالكوادر الأجنبية إذا لزم الأمر، وتنقيح الإعلام الرياضي من الفوضى الحالية ليعمل وفق معايير مهنية ورقابية تتماشى مع البوصلة الوطنية.

11- الصبر على المشروع الوطني وتبني رؤية طويلة الأجل (10–15 سنة) والاستقرار على جهاز فني وإداري عالي الإمكانات، وقياس النجاح بمدى تطور القاعدة الكروية لا بعدد الألقاب اللحظية.

تجربة المغرب وغيرها من التجارب المشابهة تقول بوضوح:

الإنجاز الرياضي الحقيقي يبدأ من الأكاديميات، من المدارس، من ضبط ملف اللاعبين الأجانب، ومن إيجاد اتحاد كرة احترافي ومهني، والصبر على المشروع الوطني.

فإذا أردنا لمنتخباتنا أن تضيء ملاعب العالم يجب علينا ألا نكتفي بإنجازات لحظية، وعلينا أن نترك خانة «النتيجة السريعة» إلى ثقافة «البناء الطويل والمثمر».