حين توجست غالبية الدول من القادمين الجدد إلى دمشق، سارعت السعودية إلى سوريا، كان ذلك بمثابة طوق نجاة للخارجين من جحيم نظام الأسد.

راهنت قوى إقليمية على موقف سعودي معادٍ لسوريا الجديدة أو متحفظ على أقل تقدير، لكن ما حدث كان مفاجئاً حتى لبعض السوريين.

كان يمكن للرياض أن توصد الأبواب وتشترط ما تشاء على دمشق كما تفعل بعض الدول، لكنها لم تفعل ذلك، بل على العكس سارعت إلى احتضان القيادة الجديدة وفتح الأبواب العالمية أمامها، وخلال نحو 10 أشهر من تحرير سوريا، حملت المملكة سوريا على أكف الأخوّة، وأرست مراسيها على ضفاف الدول الفاعلة والمنظمات الدولية، لتطالب بحقوق السوريين وتشرح للعالم أن الوقت حان كي تحتضنوا سوريا وتمنحوها فسحة من الأمل.


استضافت السعودية الرئيس أحمد الشرع 3 مرات، وبين كل زيارة وأخرى تتعمق العلاقات الاستراتيجية ويتعزز التنسيق، وكانت البداية في 2 فبراير 2025، بعد أسابيع فقط من تحرير سوريا، حين استقبل ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز الرئيس السوري أحمد الشرع الذي حرص على أن تكون الرياض أولى محطات زيارته الخارجية.

ثم كانت المفاجأة الكبرى يوم 13 مايو 2025 بإعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا خلال مؤتمر في الرياض، استجابة لطلب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

ولم تتوقف المفاجآت السعودية يومها عند ذلك الحد، إذ جمع الأمير محمد بن سلمان الرئيس الأمريكي مع الرئيس السوري في لقاء تاريخي، مما أعطى لسوريا الجديدة دفعة دبلوماسية هائلة، على اعتبار أن مصافحة ترمب للشرع تعني فتح أبواب العالم أمام الحكم الجديد في دمشق.

الزيارة الثالثة للرئيس الشرع إلى السعودية كانت الأسبوع الماضي حينما شارك متحدثاً في مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار، وكان لافتاً حضور كبار المسؤولين السعوديين على رأسهم ولي العهد الجلسة الحوارية للشرع التي تطرق فيها إلى مكانة السعودية ودورها المحوري في مساعدة سوريا حين قال: «المملكة العربية السعودية تشكل أهمية كبرى وهي برؤية 2030 بقيادة سمو الأمير محمد بن سلمان أصبحت بوصلة اقتصادية في المنطقة»، مشدداً على أن للسعودية تجربة فريدة في المنطقة وأنه تابع فترة طويلة الرؤية التي طرحها الأمير محمد بن سلمان ورأى أنها ليست فقط عند حدود المملكة وإنما تشمل المنطقة بأكملها. وتابع: «عندما وصلنا إلى دمشق سارعنا بالمجيء لنكون جزءاً من الترتيب الحاصل، والامتيازات الموجودة في سوريا كبيرة وإذا اجتمعت مع الرؤية يحصل التكامل».

استضافة الرئيس الشرع في المنتدى تحمل رسائل سياسية واقتصادية كبيرة، تفوق الشراكة الاستراتيجية المتعاظمة بين البلدين إلى أسمى أنواع الدعم الذي يتمثل في سعي السعودية لتصدير صورة سوريا الجديدة أمام العالم وإبراز الفرص الاقتصادية فيها وجذب الاستثمارات العالمية إليها من بوابة المؤتمر، خصوصاً أن السعودية تشكل مصدر ثقة على المستوى العالمي في ما يتعلق بالبراعة في تحديد الوجهات الاستثمارية في الأماكن والمجالات الواعدة.

ويبدو أن السعودية حرصت على أن يكون محاور الرئيس الشرع هو الصحفي السعودي الزميل عبدالله المديفر، الذي أجرى المقابلة الشهيرة مع الأمير محمد بن سلمان بمناسبة مرور 5 أعوام على إطلاق رؤية 2030، بمعنى أن السعودية تنزل سوريا منزلة الشقيق في كل الجوانب.

وكانت المملكة أعلنت عن استثمارات في سوريا بمبلغ يزيد على 24 مليار ريال، خلال المنتدى الاستثماري السوري السعودي الذي عقد في دمشق في 24 يوليو 2025، وقال خلاله رئيس مجلس الأعمال السوري- السعودي محمد أبو نيان، إن ولي العهد وجه قطاع الأعمال بأن سوريا هي السعودية، مشيراً إلى أن «العالم يعتبر أن سوريا حالياً فيها مخاطر وعدم استقرار ولكن المملكة لا ترى هذه الأشياء، وستقدم المملكة إلى سوريا ليس بالكلام وإنما بالأفعال».

لا شك أن سوريا اليوم تعاني من مشكلات سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية من تبعات النظام البائد، لكنها بدعم الدول الشقيقة وعلى رأسها السعودية، تجد أمامها فرصاً كبيرة للنجاح والانطلاق نحو سوريا المستقبل.