الفساد هو سوء استغلال السُلطة من أجل تحقيق مكاسب شخصية. في تاريخنا المعاصر أصبحت سلطة الفساد قوة اقتصادية لا يستهان بها. في العام الماضي فقط تسبب الفساد في خسائر فادحة غير مسبوقة بلغت أكثر من 1300 مليار دولار في العالم، لتساوي 4% من الناتج العالمي الإجمالي و12% من حجم التجارة العالمية، وكانت حصة العالم العربي 40% من إجمالي هذه الخسائر.
سلطة الفساد ثلاثة أنواع: الأول فساد عرضي يحدث عند قاعدة الهرم الحكومي من قبل صغار الموظفين، والثاني فساد نظامي يتم حين تتحول الإدارة إلى تنظيم فاسد تديره شبكة مترابطة ومكونة من مدير الإدارة ومدراء المشاريع والمدير المالي، والثالث فساد شامل وهو النهب الواسع للمال العام عن طريق الصفقات الوهمية وتحويل الممتلكات العامة إلى مصالح شخصية.
القاسم المشترك بين هذه الأنواع هو وحدة الهدف المتمثل بتحقيق أقصى المنافع من سُلطة الوظيفة وبطرق غير مشروعة.
في معظم المجتمعات تتصدر سلطة الفساد قيم العمل الخاطئة مثل عدم احترام الوقت والتراخي في تطبيق النظام وعدم الالتزام بالقرارات وإفشاء الأسرار واستخدام الغش لإنجاز الأعمال ورفض تحمل المسؤولية، وإصدار التعليمات المخالفة للنظام والجمع بين وظيفتين أو أكثر في نفس الوقت، والاعتماد على الوساطة والمحاباة لتسهيل الوصول إلى الأهداف. جميع هذه الثقافات تؤدي إلى خلل كبير في أخلاقيات المجتمع وفقدان الثقة لدى الفرد بأهمية العمل وقيمته وتراجع هيبة النطام العام، وتصبح التجاوزات هي الأصل واحترام النظام هو الاستثناء مما يؤدي إلى زيادة فجوة عدم الثقة بين الجمهور وأجهزة الدولة.
في كتابه "شبكة الإرهاب"، توصل "بيتر آيجن" رئيس منظمة الشفافية الدولية خلال عمله طوال ربع قرن في البنك الدولي إلى أن الفساد يمثل الشر الأساس لأقوياء السلطة في عصرنا، وأن الفساد موجود في كل مكان ولا بد من مواجهته بشفافية تامة تشمل كافة أرجاء العالم، وهذا يقتضي وقف استغلال الأقوياء للسُلطة التي لا يستحقونها ومساعدة الضعفاء على استغلال الفرص التي يستحقونها.
بعد مغادرته البنك الدولي قبل 10 سنوات، قام "بيتر آيجن" بتأسيس منظمة الشفافية الدولية التي أخذت على عاتقها محاربة الفساد بصفته آفة العصر الأولى. اليوم تملك المنظمة 103 أفرع في 100 دولة وتراقب مستوى الشفافية في 183 دولة لتُصدر تقاريرها السنوية الموثوقة.
اليوم أصبح هدف المنظمة يصب في توفير مناخ الشفافية والاستشراف على أرض الواقع، ونشر الوعي العالمي بحجم الأضرار الناتجة عن الفساد في كافة المجالات ومختلف الدول، خاصة في مجال البُنية التحتية للدول النامية وتركيز الاهتمام على الكوارث البيئية والتنموية الناتجة عن الفساد.
منظمة الشفافية الدولية تُعدُ فريدة من نوعها، لكونها أكبر منظمة غير حكومية في العالم تعنى بهموم بالفساد، ولأنها أخذت على عاتقها مكافحة ظاهرة الفساد التي تعد العائق الأكبر أمام التطور الاقتصادي والاجتماعي في أنحاء العالم. وبمقتضى هذا المفهوم فلا بد لهيئات الرقابة المركزية لمكافحة الفساد أن تكون ممثلة في المجتمع المدني لكي يتم التأكد من تحقيق أعلى درجة من الشفافية في التعامل مع الأموال العامة.
مؤشر منظمة الشفافية الدولية يضم 183 دولة ويتدرج من نقطة واحدة إلى عشر نقاط. الدولة شديدة الفساد تحصل على نقطة واحدة بينما الدول التي ينعدم فيها الفساد تحقق عشرة نقاط. خلال عام واحد وقبل انتفاضة شعوب الربيع العربي، تراجعت تونس من المرتبة 59 إلى المركز 73، ومصر من المرتبة 98 إلى المركز 112، وكذلك سورية التي تراجعت من المرتبة 127 إلى المركز 129، كما تراجعت اليمن وليبيا من المرتبة 146 إلى المركز 164 والمركز 168 على التوالي.
"كوبوس دي سوارت" المدير التنفيذي لمنظمة الشفافية الدولية أكد أن عدم توفر مفهوم المحاسبة في الدول العربية كان أكبر مشكلة تواجهها دول الربيع العربي. في هذا العام تصدرت الصومال الدول الأكثر في العالم وحصلت على نقطة واحدة فقط، كما جاء السودان والعراق أيضا بين أكثر عشر دول تعاني من الفساد، حيث جاء السودان في المركز 177 بينما جاء العراق في المركز 175. أما أقل الدول فساداً فكانت نيوزيلندا بينما تنافست الدنمرك وفنلندا على المركز الثاني.
لاحظت المنظمة أن الدول الأكثر شفافية في العالم تكون أقل فساداً من غيرها، لذا تأتي معظم الدول العربية في قاع المؤشر لانعدام الشفافية فيها، فأصبحت الأكثر فساداً في العالم مثل الصومال التي جاءت في المركز 182 والسودان في المرتبة 177 والعراق 175 واليمن 164 ثم موريتانيا 143 وجزر القمر 143 ولبنان 134 وسوريا 129 والجزائر 112 وجيبوتي 100 والمغرب 80 وتونس 73.
للقضاء على سلطة الفساد ركزت منظمة التجارة العالمية جهودها على تطبيق مبدأ الشفافية في المشتريات الحكومية، وذلك إسهاما منها في التعبئة الدولية ضد الفساد، حيث أنشأت في عام 1996 فريق عمل ليقوم بوضع معايير الشفافية الدقيقة في الاتفاقات التجارية الدولية. وفي عام 1997 اعتمدت مجموعة الدول الأميركية اتفاقية خاصة لمكافحة الفساد وصياغة قوانين الشفافية النموذجية لتجريم الفساد وتأديب الموظفين. وفي 1998 قامت دول الاتحاد الأوروبي بصياغة 20 مبدأ للشفافية لمكافحة الفساد، إضافة لإنشاء جهاز للتعاون والمساعدة التقنية وتبادل المعلومات وتقييم أداء الأجهزة الحكومية.
متى نطبق مبادئ الشفافية لنقضي على سُلطة الفساد في وطننا العربي؟