نحن بني الإنسان نعامل أحزاننا كموظف دائم، نُبقيه على رأس العمل رغم تقصيره، ويستنزف أعمارنا بدل أن يثريها، نُنعش آلام الأمس، ونستدعي ذكرياتٍ تشاكس القلب حتى يتعب، بينما الفرح واقف عند الباب، ينتظر من يقول له: تفضل.. قال ربنا -جل جلاله: ﴿وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلۡمٗا لِّلۡعِبَادِ﴾ [غافر: 31]، وصدق رسول الله (ﷺ) حين قال: «عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير...»، رواه مسلم.
الخيرية ليست في الأحداث ذاتها، بل في النظر الذي نرى به الأحداث.. الحكمة تقول -على لسان سقراط: «العقول العظيمة لا تسكن في قبو الحزن، بل تبني على السقوط سلمًا للصعود»، وسخرية القدر أننا نملك القدرة على قلب المشهد، لكننا نتمسك بالدور الأسوأ!.
قصة حديثة تهمس لك: شابٌ خسر تجارته فجأة، العالم أظلم أمامه، حاول أن يُغلق نافذته على كل ضوء، لكنه قرر أن يبتسم رغم الانهيار، جلس مع نفسه وقال: «إن كان الخير قد ذهب، فسيعود بخيرٍ أكبر»، بعد أشهر قليلة فقط، فتح مشروعًا صغيرًا بدأ يتيمًا، ثم صار عائلة كبيرة من النجاحات، ليس ذلك لأنه أقوى من المصائب، بل لأنه أقوى من الاستسلام لها، حين تغيّر داخله، تغيّر الخارج له.
لا تظن أن البشر وُجدوا ليقدسوا التعاسة.. لا، نحن أبناء الرجاء، خلقنا الله لنحمده على الجميل، ونصبر على الصعب، ونُوقن أن اللطف أكبر مما نظن.. وما أوسع لطفه!، نراه حين تضيق الطرق، فنجد طريقًا ما لم نكن نراه.. نراه حين نفقد شيئًا نحبه، فننال ما لم نكن نجرؤ على طلبه.. نراه في تفاصيل صغيرة لا يلتفت لها المنهكون بالشكوى.
الحياة -يا صديقي القارئ- لا تحب المتجهمين.. إن ابتسمت لها تبسّمت، وإن خاصمتها تركتك تُحارب طواحين الهواء.. نحن أحيانًا نُبالغ في التراجيديا، كأننا أبطال مسلسل حزين طويل لا أحد يشاهده!، وننسى أن أجمل الانتصارات تبدأ بابتسامة رغم الألم.
اجعل السخرية سلاحك.. اضحك على حزنك الخاسر الذي يحاول أن يثبت نفسه في حياتك.. واضحك على خيباتك التي لا تعرف أنك صرت أذكى منها.. واضحك على الأيام التي ظننت أنها كسرتك.. فإذا بك تقف من جديد، ثم أخبر ذاتك:
أنا لست عبدًا لكسر، ولا أسيرًا ليأس، أنا مخلوق لغاية أعظم، ولربٍّ كريم إذا أعطى أدهش.. وإذا منع ألطف.
الحزن مجرد موظف كسول، يتأخر عن حلول الفرح، ويختلق الأعذار.. ضع ورقة إنهاء خدمته فورًا، واكتب في القرار:
«مصلحة القلب تقتضي الاستغناء عن خدماتك الرديئة»، ثم وقع بضحكة.. وابتسم من جديد.. وكن على يقين أن الله يُدبّر لك ما هو أجمل مما انتظرته طويلاً.. ذلك أن قدر المؤمن كله خير، حتى لو غاب عنه التأويل.. هيا.. ارفع رأسك.. انظر للجمال.. تذوّق الرضا.. واحتفل بالسعادة التي تقرع بابك، فقط لأنها تعرف اسمك.
ابتسم مرة أخيرة، فالحياة رغم سخرية الأحداث، رغم غموضها، رغم كل ما نتصوره نهاية، لم تبدأ بعد أن تغلق فصولها، هي فقط تدعك تنتظر لتعرف أن كل لحظة، كل خطوة، وكل دمعة أوضح لك سرًّا جديدًا عن جمال الخلق، وعن حكمة لا تنضب، وعن الله الذي لا يغيب عن قلبٍ صدّق أنه معك دائمًا.. ابتسم.. فهناك من يحبك.. ويكتب لأجلك!.