هذا الرقم لا يمثل فقط نموًا في قطاع البناء، بل يعكس تحولًا إستراتيجيًا نحو الاستدامة، مدفوعًا بمبادرات حكومية طموحة، وتزايد الطلب على البنية التحتية الذكية، وتحديات التغير المناخي التي باتت تضغط على المدن الخليجية.
وتتصدر الإمارات والسعودية هذا التحول، حيث تبنتا معايير وطنية لتقليل استهلاك الطاقة في المباني بنسبة تصل إلى 25 %، إلى جانب مشاريع ضخمة، مثل «نيوم» و«مدينة مصدر»، التي تمثل نماذج متقدمة في البناء المستدام.
كما أن مبادرة «السعودية الخضراء» تستهدف زراعة 10 مليارات شجرة واستصلاح 74 مليون هكتار، ما يعزز مناخ المدن، ويخفض درجات الحرارة بمعدل 2.2 درجة مئوية.
نمو متسارع
يشير تقرير صادر عن «موردور إنتليجنس» إلى أن سوق المباني الخضراء في الخليج تشهد معدل نمو سنوي مركب يتجاوز 8 % مدفوعًا بتوسع المدن، وتزايد الطلب على المباني ذات الكفاءة الطاقية العالية، وتوجه الحكومات نحو تحقيق أهداف الحياد الكربوني. هذا النمو لا يقتصر على القطاع السكني، بل يشمل أيضًا المباني التجارية والمؤسسية، ومرافق التجزئة، حيث أصبحت معايير الاستدامة جزءًا من تقييم الجدوى الاقتصادية للمشاريع.
ففي السعودية، يُعد مشروع «نيوم» نموذجًا متقدمًا لهذا التحول، حيث تعتمد المدينة بالكامل على الطاقة المتجددة، وتُبنى وفق معايير بيئية صارمة، ما يجعلها مرجعًا عالميًا في التخطيط العمراني المستدام. أما الإمارات فقد وضعت لوائح إنشائية جديدة تُلزم المطورين باستخدام مواد صديقة للبيئة، وتقنيات تُقلل من استهلاك المياه والطاقة، ما عزز من مكانتها في مؤشر المدن الذكية عالميًا.
دوافع التحول
التحول نحو المباني الخضراء في الخليج لا ينبع فقط من الالتزامات البيئية، بل من منطق اقتصادي متجدد. فالمباني المستدامة تستهلك طاقة أقل، وتوفر في تكاليف التشغيل والصيانة، وتحقق عوائد أعلى على المدى الطويل. كما أن المستثمرين العالميين باتوا يفضلون المشاريع التي تلتزم بمعايير ESG (البيئية والاجتماعية والحوكمة)، ما يجعل المباني الخضراء أكثر جاذبية في الأسواق المالية.
التغير المناخي أيضًا لعب دورًا محفزًا، حيث تواجه المدن الخليجية تصاعدًا في درجات الحرارة وعدد الأيام الحارة سنويًا، ما يزيد من الضغط على أنظمة التبريد والطاقة. في هذا السياق، يصبح البناء الأخضر ضرورة حضرية، وليس خيارًا تجميليًا، خاصة مع توقعات بأن تصل بعض المدن إلى أكثر من 200 يوم حار سنويًا بحلول نهاية القرن.
فرص استثمارية
حجم السوق، البالغ 39.7 مليار دولار، يفتح آفاقًا واسعة للاستثمار في مواد البناء المستدامة، وأنظمة الطاقة الشمسية، وتقنيات العزل الحراري، وأنظمة إدارة المياه. كما أن الطلب المتزايد على المباني الذكية يدفع نحو تطوير حلول رقمية لإدارة الطاقة، وتحسين جودة الهواء، وتعزيز كفاءة التشغيل.
وبدأت صناديق الاستثمار السيادية في الخليج بالفعل في تخصيص نسب متزايدة من محافظها للمشاريع البيئية، خاصة في السعودية والإمارات، حيث يتم دعم المطورين عبر حوافز مالية، وتسهيلات تنظيمية، وشراكات دولية. هذا التوجه يعزز من قدرة السوق على النمو، ويجعل من البناء الأخضر رافعة اقتصادية جديدة في المنطقة.
تحديات التنفيذ
على الرغم من النمو اللافت، تواجه سوق المباني الخضراء في الخليج تحديات هيكلية، أبرزها ارتفاع تكلفة المواد المستدامة مقارنة بالمواد التقليدية، ونقص الكفاءات المتخصصة في التصميم والتنفيذ، وتفاوت التشريعات بين الدول. كما أن بعض المطورين لا يزالون ينظرون إلى البناء الأخضر كعبء مالي، وليس كفرصة استثمارية.
التقرير يشير إلى أن حوكمة السوق وتوحيد المعايير يمثلان عاملًا حاسمًا في تسريع التحول، حيث تحتاج المنطقة إلى إطار تنظيمي موحد، يضمن جودة التنفيذ، ويحفز الابتكار، ويعزز الثقة بين المستثمرين والمطورين. كما أن التعليم والتدريب المهني يمثلان ركيزة أساسية لبناء قدرات محلية قادرة على قيادة هذا التحول.
قيادة التحول
سوق المباني الخضراء في الخليج لم يعد قطاعاً هامشياً، بل أصبح محوراً إستراتيجياً في التنمية العمرانية والاقتصادية، حيث تقود السعودية والإمارات هذا التحول، لكن النجاح يتطلب تعاونًا إقليميًا، وتطويرًا مؤسسيًا، واستثمارًا في المعرفة والابتكار.
أبرز مشاريع المباني الخضراء في السعودية
* مدينة الملك سلمان للطاقة (سبارك)
* جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)
* جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن
* مشروع البحر الأحمر
أهداف المباني الخضراء
ـ الحفاظ على الموارد الطبيعية عبر استخدام موارد المياه والمواد البنائية بكفاءة أكبر، وتوليد الطاقة من مصادر متجددة
ـ تقليل الأثر البيئي عبر خفض انبعاثات الكربون، وتقليل النفايات، وتحسين جودة الهواء الداخلي
ـ تحسين جودة المعيشة عن طريق توفير بيئة صحية ومريحة من خلال المساحات الخضراء والتصميم المرتكز على الإنسان
ـ تعزيز الاقتصاد بتقليل تكاليف التشغيل على المدى الطويل، وزيادة قيمة العقارات، وتحفيز الابتكار في التكنولوجيا الخضراء