شيئا فشيئا، تحول «المدقال»، من استعراض حربي يظهر القوة ويستهدف إرهاب العدو، ليصير موروثا تحرص عليه قبائل جنوب السعودية، حيث يؤدى في المناسبات ويستقطب كثيرا من الاهتمام والمتابعة.

والمدقال هو أحد الفنون الأدائية التقليدية في منطقة عسير، جنوب المملكة، وخاصة لدى قبائل رجال الحجر من بني شهر وبني عمرو وبللسمر وبللحمر.

وكان المدقال يستخدم في العصور القديمة لإبراز قوة القبائل وتحقيق تأثير نفسي وردع الأعداء، حيث يعد من قبيل استعراض القوة العسكرية وإرهاب العدو. أما اليوم، فبات رمزا للتمسك بالعادات والتقاليد.


رقصة حرب

يقول عضو فرقة رجال الحجر أحمد معيض الشهري، إن «المدقال هو رقصة حرب، وهو فن من الفنون الأدائية المعروفة في منطقة عسير، وخاصة لدى قبائل رجال الحجر من بني شهر وبني عمرو وبللسمر وبللحمر، وهي رقصة تقدم في مناسبات الزواجات والختان والسماوة وقدوم قبيلة على أخرى».

وأضاف «يبدأ المدقال من دخول المجموعة إلى الميدان بما يسمى بـ(الصولة)، وهو صوت واحد يردده أعضاء الفرقة بشكل جماعي، سواء سلام أو قصيدة، إلى أن يصلوا إلى ميدان المناسبة، وبعد ذلك يبدؤون في الدخول مجموعات بما يسمى (زرق) حسب عدد كل مجموعة، مجهزين بزي خاص ومتحزمين بتجهيزات خاصة، وببنادق (المقمع والفتيل)».

وشدد الشهري على أن المدقال رقصة متواصلة بلا انقطاع أو توقف، وقال «من شروط وعادة المدقال في قبائل رجال الحجر ألا يتوقف المدقال وألا ينقطع، بحيث كلما دخلت مجموعة ترمي، وتدخل بعدها المجموعة الأخرى وترمي، وهكذا تتوالى المجموعات، ولا يرمون مع بعض بعضا إلا في الدقل الأخير للمجموعة كاملة، حيث يرمون بالنار ببنادق المقمع والفتيل في وقت واحد، ويسمى ذلك (التعشيرة). ثم تدخل المجموعة كاملة الميدان ثم يدخل اثنان أو أربعة يرمون البندق إلى الأعلى ثم يستقبلونها، ثم يرمي الجميع مع بعض بعضا في ختام المدقال».

قصيدة الصولة

يوضح الشهري أنه «ليس هناك قصيد شعري في المدقال باستثناء قصيدة «الصولة» وهي التي يدخلون بها الحفل، وبعد نهاية التعشيرة يبدؤون في الدخول للعرضة (اثنين اثنين)». مؤكدا بذلك أن المدقال يسبق العرضة ويعد بمثابة الاستعداد أو التمهيد لها.

وأضاف أن «من يستخدم بنادق المقمع والفتيل يستخدم فيها البارود الذي يوضع فيما يسمى (الكيلة) التي تحتوي البارود، وهي ضمن تجهيزات الزي الرسمي، ومن الضروري أن يتأكد من يحمل البندقية (المقمع والفتيل) منها ومن تأمينها مخافة انفجار البارود».

وعن بقية التجهيزات اللازمة لمعدي المدقال، قال «من ضمن التجهيزات التي يتجهز بها أعضاء المجموعة (المجند) وهو الذي يوضع فيه (القمع) ويحتزم كل فرد من المجموعة بالجنبية أو القديمية (وهي نوع من السلاح الأبيض)، ويمكن لبس الثوب العادي أو الثوب (المذيل) وهو لبس أكمامه واسعة وطويلة ويسمى في نجد (المرودن) ويشتهر بأكمامه الطويلة والتي تكون واسعة ومثلثة الشكل، وغالبا ما يُلبس فوقه ثوب آخر يسمى الدقلة، وتمتاز بمرونتها وسهولة حركتها».

وعن لبس الشماغ، قال «يلبس الشماغ بشكل طبيعي، أو يلف ويثبت على الرأس بحيث لا يسقط عند أداء الحركات».

القدوم

يشير عبدالله الأسمري، إلى أن المدقال يعني في بعض اللهجات المحلية في منطقة عسير (القدوم)، وهو فن يؤدى قبل العرضة الجنوبية، ويعد استعراضا حربيا واحتفالا يعتمد على الدق والإيقاعات فقط.

وقال «يتكون المدقال من صفوف من (العراضة)، يقومون بحركات متناسقة بالبندقية (المقمع والفتيل) ويرددون الأهازيج والقصائد الحماسية، ثم يختتمون بإطلاق النار في وقت واحد بما يسمى التعشيرة».

وأضاف «يسهم المدقال في تماسك القبيلة وتعزيز روح الانتماء».

أداء حركي

يبين محمد الأحمري، أن «هناك عدة فرق شعبية في المنطقة الجنوبية تؤدي حاليا هذا اللون من الفنون، ويمتاز أعضاء الفرقة بالزي الموحد والتجهيزات الخاصة بالزي من ثوب عادي أو مرودن، ومسبت، وجنبية أو قديمية، وبندقية مقمع أو الفتيل، وعصابة الرأس وما تحوية أحيانا من نباتات عطرية، ويقدمون إنموذجا مبهرا لهذا الفن المتوارث بالمنطقة، بحركات متقنة وأداء جماعي رائع، يتوالى فيه دخول المجموعات، كل مجموعة تتكون من عدد 5 إلى 8 أشخاص، يدخلون بمفردهم ويكملون دورة كاملة داخل ساحة العرضة، ثم يطلقون أعيرتهم النارية من أسلحتهم المسماة بـ(المقمع أو الفتيل) ويستخدم فيها البارود.

وتستعرض الفرقة وأفرادها المهارة في استخدام البندقية عبر رميها في السماء لمسافات من 5 إلى 10 أمتار ثم يستقبلونها وهي معدة للإطلاق، ليتم توجيهها عاليا ثم الرمي بشكل موحد ومنظم. وتأتي الصور الختامية لفن المدقال، حين تجتمع كل المجموعات مشكلين حلقة دائرية كبيرة يطلقون فيها أعيرتهم النارية في لحظة واحدة تسمى (التعشيرة)، ثم تبدأ صفوف العرضة في التشكيل، وتقديم الموروث الشعبي المعروف بـ(العرضة)».

استعراض عسكري

يوضح علي العمري، أن «المدقال موروث شعبي تم تناقله في جنوب المملكة منذ قرون طويلة، ويعرف على أنه قدوم قبيلة أو ضيوف إلى قبيلة أخرى على هيئة طوابير متتالية، ويتكون كل طابور من حوالي خمسة أشخاص أو أكثر، يتقدم كل طابور المشايخ وكبار السن وأعيان القبيلة».

وأضاف «يشبه المدقال الاستعراض العسكري في الاحتفالات لدى بعض الدول حاليًا. وهو مقدمة للون العرضة الجنوبية المعروفة، وغالبًا ما يقدم في حفلات الزواج والأعياد والسماوة، وتكون الحركة فيه موزونة كأنها خطوة رجل واحد، وعلى قرع الطبول (الزير والزلفة)، ومن تختلف خطوته (نقلته) عن الطابور يطلب منه (المداقشة) بمعني أن يكون أدائه منسجمًا مع أداء المجموعة. ويكون المدقال على شكل حلقة دائرة متقطعة بين الطوابير».

زي موحد

يركز عبدالله أحمد الشهري، على أن ما يميز المشاركين في المدقال هو زيهم الموحد وأدواتهم وأداؤهم الجميل، وهو يقول إنه «مما يتزين به الرجل في هذا اللون الشعبي الجميل هي (الجنبية الطويلة) أو القديمية (الخنجر)، وإن كانت الجنبية هي أكثر ما يلبس لهذا اللون. وكذلك (البندقية) وهي عادة تكون من نوع المقمع أو الفتيل. وأيضًا (الزهاب) ويتكون من (المطرفة) وهي ما يوضع بها البارود، وتكون من الجلد أو من الحديد الخفيف، وزهاب القمع. ويوضع على الجنبين من فوق الكتفين مثل لبس الوشاح، ومن فوقه حزام الجنبية».

ويضيف «يتخلل المدقال بعض اللمحات الفنية الجميلة من بعض الرجال المهرة في نوع يسمى (الزقاف) وهو رمي البندقية إلى أعلى بضعة أمتار، ثم استقبالها بيد واحدة، ومن ثم يتقابل المزقفة ويتم الرمي، ويكون اتجاه الأسلحة للأعلى حتى لا يصاب أحد بنيرانها، ومن بعدها الخروج بشكل منظم جميل من الميدان».

المدقال

ـ فن شعبي استعراضي يُقدم كاستعداد وتمهيد لـ«العرضة الجنوبية»

ـ يعد بمثابة استعراض حربي بالبنادق بدأ لإظهار القوة وإرهاب العدو ثم صار موروثا

ـ يشتهر كفن أدائي تقليدي في منطقة عسير وخاصة لدى قبائل رجال الحجر من بني شهر وبني عمرو وبللسمر وبللحمر

ـ يعتمد على الإيقاعات الحربية دون ترديد للأشعار

ـ يؤدى بدخول المؤدين (بمجموعات) إلى الساحة في طوابير متوالية، ثم يقومون بالتحية وإطلاق أعيرتهم النارية بشكل منظم

ـ يرتدي المؤدون فيها ملابس مميزة تعد من قبيل التجهيزات اللازمة للمدقال

ـ ينتهي بأن يشترك الجميع بإطلاق النار من بنادقهم في توقيت واحد بما يسمى «التعشيرة».