وُلد الدكتور محمد بن علي فراج العقلا وفي داخله شغفٌ مبكر بالعلم، فكان يميل إلى القراءة والبحث منذ طفولته، ويؤمن بأن المعرفة هي الطريق الأسمى لخدمة الوطن. ومع تقدّم سنواته، نما طموحه ليكون أحد أبرز القيادات الجامعية في المملكة، لا رغبةً في منصب، بل رغبةً في أثرٍ يبقى، ورسالةٍ تُخلَّد.

دخل الحياة الأكاديمية وهو يحمل قناعة راسخة بأن الجامعة رسالة قبل أن تكون وظيفة. وعندما تولّى مهام وكالة جامعة أم القرى للدراسات العليا، ثم إدارة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، تجلّت بصمته في قراراته، وفي انضباطه، وفي رؤيته التي وضع فيها الطالب والمعرفة في قلب كل خطوة، حتى أصبح اسمه مرادفاً للتطوير والتنظيم والنهج العلمي الرصين.

كان الراحل مثالاً للمسؤول الذي يجمع بين الصرامة في الحق والرحمة في التعامل. عرفه الجميع بنزاهة لا تتبدل، وبالتزام لا يعرف التراخي، وبروحٍ تؤمن أن العلم أمانة، وأن الإدارة تكليف لا تشريف. وبين ممرات الجامعة كان يحضر كأب قبل أن يحضر مديرا ، يقترب من الناس، يستمع، يوجّه، ويفتح أبواب الحوار لكل طالب وموظف.


ومن المواقف التي بقيت شاهدة على مكانته لدى المجتمع الجامعي، حبُّ الطلاب الوافدين له؛ فقد كانوا يستقبلونه بحرارة كلما حضر، يشعرون بقربه، ويجدون فيه الأمان قبل المسؤولية. أما أنا، فلم أعمل مع الدكتور العقلا مباشرة، لكنني كنت أسمع عنه الكثير من زملائي في العمل، وتحديداً من زميلي خالد خوندنة الذي كان يصفه دائماً بأنه أب قبل أن يكون مسؤولاً. كان يتحدث عنه بمحبة واحترام، ويروي مواقفه النبيلة، حتى أصبحت صورته لديّ صورة الرجل المتواضع، الرحيم، العادل، والقائد التربوي الذي يحترم الجميع ويعاملهم بإنسانية عالية.

لم يكن الدكتور محمد بن علي فراج العقلا مسؤولاً قيادياً فحسب، بل إنساناً يحمل قلباً واسعاً، يعرفه طلابه بابتسامة هادئة، ويصفه زملاؤه بحكمة العالم وأخلاق المربي. وقد ظل طوال سنواته يؤمن بأن القوة الحقيقية في الجامعة لا تأتي من المباني ولا من الميزانيات، بل من العقول التي تُصنع، ومن الحلم الذي يُبنى داخل هذه العقول.

ومع رحيله، تخسر الساحة الأكاديمية واحداً من أكثر رجالها حضوراً وتأثيراً. تاريخه الممتد في خدمة العلم يظل شاهداً عليه، وطلابه المنتشرون اليوم في مواقع مختلفة يواصلون السير في طريقٍ ساهم هو في تعبيده، ورجال الجامعة يتذكرون قراراته، وأثره، وهدوءه، وإنسانيته.

رحم الله الدكتور محمد بن علي فراج العقلا، فقد رحل بالجسد وبقي بالأثر، وبقي بما زرعه من قيم، وبما قدمه من علم، وبما تركه من إرث كبير يستحق أن يُروى وأن يُخلَّد. وخالص العزاء لإخوته وأبنائه، وبخاصة الدكتور صالح العقلا والدكتور طارق العقلا، سائلين الله أن يجعل علمه نوراً في قبره، وأن يرفع مقامه، وأن يجزيه عن التعليم وطلابه خير الجزاء.