التراث الأصيل
مرّ السوق بمراحل تطويرية كثيرة، وظلّ ملتقى الأهالي الأسبوعي والمحرك الاقتصادي الأول في المحافظة، ورغم التطور الذي شهدته المنطقة وكثرة الأسواق الحديثة، فإنه لا يزال يشهد إقبالا كبيرا من المتسوقين من كل محافظات جازان وحتى من خارجها، إذ شكَّل على مرّ السنين معرضا حيا للمنتجات التراثية والشعبية التي حافظ عليها الأجداد وتوارثها الأبناء والأحفاد، ولا يكاد يخلو منزل في المنطقة اليوم من منتجات هذا السوق، لما تمثّله من تعزيز للهوية المحلية والتراث الأصيل.
طيور الزينة
يعد سوق المواشي الأكبر على مستوى المنطقة، يقصده التجار والمربون من محافظات جازان ومناطق أخرى داخل المملكة وخارجها. يعجّ بالحركة والأصوات منذ الفجر، ويشهد بيع وشراء آلاف الرؤوس من الأغنام والماعز والإبل والبقر، وفي زاوية خاصة من السوق، يقام سوق الطيور الذي لا يقلّ حيوية وجمالا.
تجد هناك الحبش والدجاج البلدي والرومي والحمام بأنواعه، والصقور المُدرَّبة والنواعير والقمري والحجل الجبلي، وببغاوات تهامة الملونة التي تُعلَّق في أقفاص السعف.
يتفاوض الشباب على طيور الزينة والصيد، ويتبادل الكبار النصائح حول تربية الدجاج البلدي الذي لا يزال يُعدّ رمزا للضيافة التهامية الأصيلة، بينما يملأ تغريد الطيور ورفرفة أجنحتها أرجاء المكان فتضيف للسوق نغمة حية لا تُنسى.
مزار العائلات
يظل السوق مقصدا حيويا ومزارا عائليا محبوبا، خاصة في الأعياد والإجازات والمناسبات الاجتماعية، إذ تخرج العائلات باكرا للتبضّع والتنزه، وتتداخل أصوات النساء وهن يتفاوضن على الشراء مع ضحكات الأطفال وهم يركضون بين البسطات.
ويتميّز السوق بتنوع مذهل في المنتجات التراثية: مظلات السعف المنسوجة يدويا، المجول والمفتة والمهجان، المكانس بأحجامها المختلفة، الأواني الفخارية والحجرية (المغش، الكزمة، البرمة)، والأواني الخشبية كالصحاف المطلية بالقطران التي تضفي على الماء نكهة جبلية فريدة والكرسي والقعايد والمنابر.
كما تُعرض النباتات العطرية كالريحان والنعناع والكادي والشمطري والشذاب والوالة والزعتر والشيح والبياض، والخضروات والفواكه الموسمية الطازجة، وبسطات السمن والعسل الطبيعي والقطران والبهارات والبن والحبوب، والملابس التراثية المطرزة يدويا، وحتى بعض الأواني الحديثة التي وجدت مكانا لها بجوار القديمة دون منافستها.
أقدم من اسمه
يقول الشيخ سلطان بن موسى المنقري لـ«الوطن»: إن الأهالي أطلقوا عليه «سوق الأحد»، لكنه في الحقيقة أقدم من هذا الاسم بكثير، مضيفا أن الوثائق التاريخية تروي أن السوق أُسِّس رسميا عام 1113هـ (نحو 1701م) على يد الأمير أحمد بن غالب، غير أن روايات شفهية أقدم تؤكد وجوده قبل ذلك التاريخ بقرون، وربما يعود إلى ما كان يُعرف قديما بـ«الميزاب» أو «المنقع» على الضفة الشمالية لوادي خلب. وهذا يعني أن عمره قد يتجاوز الأربعمئة سنة، وربما يلامس أطراف حضارة الخصوف التي وصفها الهمداني قبل ألف عام في كتابه «صفة جزيرة العرب».