في رؤية 2030، المملكة تسابق العالم، وتتحرك بسرعة مذهلة نحو مصانع ذكية، روبوتات تنتج بلا كلل، وخوارزميات تتخذ القرارات أسرع من أي مدير. أما الإنسان؟ فهو في موقع لا يُحسَد عليه: إما أن يتطور... أو يتآكل بصمت.
الحقيقة المزعجة أن الأتمتة لا تسحق الضعفاء فقط؛ إنها تسحق المترددين، البطيئين، الذين يصرّون على العيش بعقلية مرحلة انتهت دون أن يعلنوا وفاتها.
ما يحدث الآن ليس »تحولًا تقنيًا» كما يحب البعض تسميته... بل هو إعادة صياغة لمن يستحق أن يُسمع صوته في المستقبل الصناعي.
فمن أول الضحايا؟ ليس الموظف قليل المهارات كما يظن البعض. بل الموظف الواثق بمهاراتٍ لم تعد ضرورية. الذي يعيش على رصيد قديم، ويظن أن خبرته تُشفع له في سوق لا يعترف إلا بمن يجدد نفسه كل يوم. الأتمتة لا تحترم تاريخ أحد، ولا تنتظر أحدا، ولا تُجامل أحدا.
ثم هناك فئة أخرى، أكثر هشاشة: أولئك الذين لديهم القدرة... لكن ليست لديهم شجاعة. يعرفون أن السوق يتغير، لكنهم يتعاملون مع الحقيقة كإشاعة.
يقرؤون عن الروبوتات، ويشاهدون الذكاء الاصطناعي، ويهزون رؤوسهم باهتمام... ثم يعودون إلى مكاتبهم ليفعلوا الأشياء نفسها بالطريقة نفسها، وبالرتابة نفسها، التي ستركلهم خارج الباب.
وفي المقابل، هناك مَن يفهم أن الأتمتة ليست تهديدًا... بل فرصة لا ترحم الكسالى. إنها دعوة صريحة للمغامرين، وللذين يمتلكون الجرأة على تفكيك أنفسهم وإعادة تركيبها بما يناسب المستقبل.
لأن المستقبل في السعودية لن يكون للموظف التقليدي، بل للعقل الصناعي الجديد... العقل الذي يملك ثلاث صفات:
سرعة التعلم، ومرونة التغيير، وشجاعة الهدم قبل البناء. ومع كل هذا... يظل السؤال الأخطر بلا إجابة:
هل نحن نطور المصانع فعلاً؟ أم نصنع آلات قوية... بينما نسمح للإنسان أن يبقى نسخة قديمة في نظام تشغيل لم يعد يعمل؟
وأخيرًا، في سباق الأتمتة، لن يُسحق الضعفاء فقط... بل سيُسحق كل من يظن أنه في مأمن.