شهد الأسبوع الماضي حدثين في غاية الأهمية يؤثران بشكل مباشر على مستقبل سوريا، الأول الذكرى الأولى لتحرير سوريا من نظام الأسد، والثاني تصويت مجلس الشيوخ الأمريكي على إلغاء قانون «قيصر».

ويمثل هذان الحدثان محكّا سياسيا واقتصاديا يوضح توجه سوريا الجديدة نحو الداخل المستقر والانفتاح الدولي.

الذكرى الأولى للتحرير (8 ديسمبر 2024) حملت بعدا سياسيا يتجاوز الطابع الاحتفالي، إذ شكّلت مؤشرا على مدى ترحيب غالبية السوريين بالتغيير وقبولهم القيادة الجديدة وقدرتها على تثبيت الاستقرار وتوحيد البلاد.


وشهدت المدن والبلدات الخاضعة لسيطرة الحكومة تجمعات جماهيرية حاشدة، أبرزها في ساحة الأمويين بدمشق، ما يعكس مستوى حضور شعبي غير مسبوق خلال العقود الماضية.

وما ميّز المشهد هو الطابع العفوي للمشاركة، في ظل غياب الأُطر الحزبية التقليدية التي تم حلّها (حزب البعث العربي الاشتراكي وأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية)، وابتعاد الدولة الجديدة عن ممارسات التعبئة القسرية التي انتهجها النظام البائد عند كل مناسبة.

كما حرص الرئيس أحمد الشرع على الظهور في المسجد الأموي وفي الاحتفالات بزيه العسكري الذي دخل به إلى دمشق قبل عام، في رسالة رمزية على قيمة المناسبة وترسيخ النصر وقوة الدولة الوليدة وقدرتها.

وفي الوقت الذي عبّر فيه الشعب السوري عن دعمه للقيادة الجديدة، أقدمت واشنطن على خطوة مماثلة على المستوى الدولي، عبر تصويت مجلس الشيوخ على إلغاء قانون «قيصر»، الذي كانت الولايات المتحدة الأمريكية فرضته على نظام الأسد بسبب المجازر المروعة التي ارتكبها بحق عشرات آلاف المعتقلين إبان فترة الثورة السورية.

ويمهد إلغاء القانون الأمريكي لتحول اقتصادي تحتاجه سوريا بشدة، إذ يفتح الباب أمام عودة الحياة إلى قطاعات حيوية تعطّلت سنوات بفعل القيود والعقوبات، كما يعكس تغيرا في المقاربة الأمريكية تجاه سوريا الجديدة.

بعض التساؤلات عن أسباب قبول أمريكا برفع العقوبات عن سوريا لها إجابة، إذ إن دولا كبيرة في المنطقة تبنّت دعم سوريا الجديدة وعلى رأسها السعودية وقطر وتركيا، وسارع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى قيادة جهود دبلوماسية لتقريب الخطى بين دمشق وواشنطن، ونجحت مساعيه في عقد أول لقاء بين الرئيسين أحمد الشرع ودونالد ترمب في الرياض، مايو الماضي، لتتسارع بعدها الخطوات وتسهم جهود تلك الدول في رفع العقوبات.

وخلال عام واحد استطاعت دمشق الجديدة تقديم نفسها دولة منضبطة ومسؤولة، عبر سلسلة خطوات أعادت تشكيل صورتها أمام المجتمع الدولي، إذ نجحت في ضبط البلاد وحلّ غالبية المشكلات التي سببها النظام البائد مع دول الإقليم والعالم، ومن بينها إنهاء الوجود الإيراني وميليشياته في سوريا، وضبط الحدود في المناطق التي تسيطر عليها القوات الحكومية، ومحاربة الجماعات المتطرفة وعلى رأسها داعش، وإراحة دول الإقليم من خطر المخدرات التي كان نظام الأسد أبرز مصنعيها ومروجيها في العالم.

أمريكا ترمب قابلت الإجراءات السورية بالترحيب والانفتاح على دمشق مع التركيز على مجموعة محاور تشمل ضمان أمن الحدود مع الإسرائيليين، وإبعاد الأجانب عن القوات السورية، وترحيل المرتبطين بالحركات الفلسطينية، ومساعدة التحالف الدولي في منع عودة داعش، إضافة إلى الالتزام بالتسوية السياسية واتخاذ إجراءات لضمان حقوق الإنسان، وكل تلك المطالب يجري التواصل مع الأمريكيين عبر المبعوث الأمريكي إلى سوريا توم باراك والتوافق بشأنها.

حتى اليوم تبدو تصريحات ترمب وباراك مشجّعة، وتعكس تحوّلا في الموقف الأمريكي التقليدي من سوريا فالمصلحة الأمريكية لم تعد في إضعاف الدولة السورية، بل في منع انهيارها، لأن الانهيار يعني عودة إيران وميليشياتها عسكريا بشكل مباشر، وانفجار مواجهات طائفية واسعة لا تسلم منها دول المنطقة، وصعود تنظيمات متطرفة من جديد بشكل قد يفوق قدرة المنطقة على احتوائها وإنهائها، وإطلاق موجات لجوء جديدة، وبالتالي، فإن استقرار دمشق بات جزءا من هندسة الأمن الأمريكي في الشرق الأوسط، وهو ما يسهم في إنجاح جهود سوريا للانفتاح على العالم.

شريان الحياة في العلاقات الأمريكية السورية الذي دشنه الشرع وترمب عبر 3 لقاءات خلال عام واحد، لم يكن يحلم به أشد المتفائلين قبل عام واحد، وقد نرى لقاء رابعا بين الزعيمين في دمشق إذا ما حدث اختراق في موضوع الترتيبات الأمنية مع الاحتلال الإسرائيلي، ويظهر أن الفترة المقبلة ستشهد مزيدا من الانفتاح بين الدولتين، فهل نصحو يوما على خبر إطلاق شراكة إستراتيجية بين البلدين؟