هناك أشياء لا تُفسَّر. لا تُحَلَّل. ولا تصلح أن تكون درسا في علم النفس، ولا مثالًا في كتب السيرة الذاتية. هي كذلك... فقط.

مثل أن تُحِبّ طفلًا، ليس لأنه ابنك، ولا لأنه يشبهك، ولا لأنه ذكي أو جميل بصورة خارقة... تحبه لأن اسمه حمشتو. في العائلات الكبيرة، هناك دائمًا هذا الكائن الاستثنائي.

أول حفيد. القطعة الأولى التي تُثبت أن العائلة لا تزال تمدّ جذورها في الأرض. سمّوه رسميًا «محمد» احترامًا للأب الكبير، ثم أفسدوا كل الجدية بلقب طفولي لا معنى له... أو له معنى لا يعرفه أحد.


حمشتو اسم بلا تاريخ لغوي، ولا أصل صرفي، ولا تفسير مقنع. ربما هو تصغير لمحمد، وربما صوت خرج من فم جدّة سعيدة فعلق إلى الأبد.

لكن الاسم ـ كما يحدث دائمًا ـ طغى على صاحبه، حتى صار محمد نفسه يحتاج إلى تعريف إضافي:

( محمد... أقصد حمشتو ) وكان العم أكثرهم حبًا له. ذلك العم الذي لم يكن يتوقع، ولا يفهم، ولا يحاول أصلًا أن يفهم كيف يمكن لقلبه أن يحب بهذا الشكل. كان يحمله، وكأن كتفه خُلِقَ لهذا الغرض وحده.

ولا ينام الطفل إلا وهو يعبث بلحيته، يجرّ خصلات الشعر، يغمغم تحت المصاصة كلماتٍ لا تظهر في أي قاموس بشري وعندما ينام، يبدأ الطقس الحقيقي:

النظرة الطويلة. المراقبة الصامتة لأنفاس صغيرة تهبط وتصعد كأنها تقول:

( أنا هنا... كل شيء بخير )

ثم سافر العم ليكمل دراسته الجامعية. قالوا: المستقبل. قالوا: الشهادة. قالوا: العقل. لكن الليل هناك كان أطول من اللازم. والصورة الصغيرة التي يحملها كانت أقسى من الغياب نفسه.

والجملة التي خرجت منه بلا ترتيب، بلا تفكير، بلا منطق: ( اشتقت لك... ) ولأنه حمشتو... لم يحتمل البعد. عاد.

في السنة الأولى. قطع الدراسة. كسر كل الأحلام التي تُقال عن الطموح. غضب الجميع. وكبرُ الغضب بقدر صُغر السبب. الأب الكبير صامت كقاضٍ يعرف أن الحكم خاسرٌ مهما كان.

أما هو... فكان هادئًا. هادئًا على نحو يثير الريبة. وحين سُئل: لماذا؟ لم يتحدث عن الغربة. ولا عن القلق. ولا عن الوحدة. قال ببساطة مذهلة:

لأنه حمشتو.

مرت السنوات. صار العم موظفًا صغيرًا. تزوج. أنجب. وربما... وربما فقط... أحب أبناءه كما أحب حمشتو. أما حمشتو، فكبر. وصار رجلًا يعرف كيف يرد الجميل دون خطابة.

ابنًا لأبيه، وابنًا لكل عمٍّ حمله يومًا دون سبب. وإن سألتني الآن:

لماذا كتبت هذا كله؟ ما مغزى القصة؟ ما الفائدة؟ سأفعل ما فعله ذلك العم، وأجيبك بثقة لا تقبل الجدل:

لأنه حمشتو. وهذا - صدقني - سبب كافٍ جدا.