رغم صمود وقف إطلاق النار في قطاع غزة نسبيًا خلال الأشهر الأخيرة، لا تزال الأوضاع الميدانية والإنسانية تكشف هشاشة الاستقرار، وسط تعثر الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، واستمرار المخاطر المرتبطة بالأمن والغذاء ومستقبل الحكم في القطاع. وبينما تتكثف الجهود الدولية لرسم ملامح ما بعد الحرب، يبقى الواقع اليومي للفلسطينيين محكومًا بالتوترات العسكرية والاحتياجات الإنسانية غير المستقرة.

هشاشة الهدنة

وقُتل خمسة فلسطينيين على الأقل، بينهم رضيع، إثر إطلاق القوات الإسرائيلية النار عبر خط وقف إطلاق النار شمال قطاع غزة، في حادثة وقعت بحي التفاح شرقي مدينة غزة. وأكد مستشفى الشفاء استقبال الضحايا، فيما قال الجيش الإسرائيلي إن قواته رصدت «أفرادًا مشبوهين» قرب مناطق حددها غرب الخط الأصفر، مشيرًا إلى فتح تحقيق في الحادث.


ويمثل الخط الأصفر أحد أبرز ترتيبات وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في أكتوبر بوساطة أمريكية، ويقسم المناطق التي تنتشر فيها القوات الإسرائيلية عن بقية القطاع. وتأتي الحادثة في توقيت حساس، مع تصاعد الاتهامات المتبادلة بين إسرائيل وحماس بخرق الهدنة.

مسار معلق

وتزامن التصعيد الميداني مع تحركات دبلوماسية مكثفة، حيث استضافت الولايات المتحدة اجتماعًا في فلوريدا جمع مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترمب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، ومسؤولين من دول الوساطة، أبرزها مصر وقطر وتركيا. وتركزت المحادثات على استكمال المرحلة الأولى من اتفاق غزة، والتمهيد للانتقال إلى المرحلة الثانية الأكثر تعقيدًا.

ووفق الخارجية التركية، ناقش الاجتماع آليات ضمان استمرار وقف إطلاق النار، وتشكيل قوة استقرار دولية، إضافة إلى ترتيبات إنشاء هيئة حكم تكنوقراطية تتولى إدارة شؤون غزة، بما يضمن أن يحكم القطاع سكانه.

تحديات الحكم

وتُعد المرحلة الثانية من الاتفاق اختبارًا حقيقيًا لإمكانية تحقيق استقرار مستدام في غزة. وتشمل هذه المرحلة ملفات شائكة، من بينها نشر قوة استقرار دولية، وإعادة هيكلة الحكم المحلي، ونزع سلاح حركة حماس، إلى جانب انسحابات إسرائيلية إضافية من القطاع.

ورغم طرح أسماء دول أبدت استعدادها للمشاركة في قوة الاستقرار، مثل تركيا وباكستان، إلا أن هذه الخطط تواجه تحفظات إسرائيلية ومخاوف دولية من الانخراط المباشر في بيئة أمنية غير مستقرة، ما يضع مستقبل هذه القوة أمام احتمالات مفتوحة.

المجاعة مؤجلة

وعلى الصعيد الإنساني، قال التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي إن انتشار المجاعة في غزة تم تجنبه حتى الآن، مشيرًا إلى تحسن نسبي في الأمن الغذائي عقب وقف إطلاق النار. ومع ذلك، حذّر التقرير من أن الوضع لا يزال «هشًا للغاية»، وأن كامل القطاع يظل معرضًا لخطر المجاعة، خاصة في حال تجدد القتال أو تعثر دخول المساعدات.

وأوضح التقرير أن نحو ألفي شخص يواجهون مستويات كارثية من الجوع، فيما لا تزال الاحتياجات الإنسانية تفوق قدرة الاستجابة الحالية، رغم زيادة تدفق المساعدات مقارنة بالأشهر السابقة.

حجم المساعدات

ورفضت إسرائيل نتائج التقرير، معتبرة أن كميات المساعدات التي تدخل غزة تفوق الاحتياجات الغذائية، وأن تقارير التصنيف تعتمد على بيانات غير مكتملة. في المقابل، تؤكد منظمات دولية أن المشكلة لا تتعلق فقط بعدد الشاحنات، بل بإمكانية وصول الغذاء والمياه والمأوى بشكل آمن ومستمر إلى السكان.

وتشير الأمم المتحدة إلى أنها توزع يوميًا نحو 1.5 مليون وجبة ساخنة، إلا أن أكثر من 70 % من سكان غزة ما زالوا نازحين ويعتمدون كليًا على المساعدات، في ظل تدهور البنية التحتية وسوء أوضاع الصرف الصحي.

إعادة الإعمار

وبالتوازي مع المسار السياسي والإنساني، طُرحت مسودة خطة أمريكية لإعادة إعمار غزة وتحويلها إلى مدينة حديثة، غير أن هذه الرؤية تصطدم بعقبات التمويل، وترتيبات الأمن، ومستقبل سلاح الفصائل، فضلًا عن غياب توافق دولي واضح حول آلية التنفيذ.

وبين وفرة نسبية للغذاء في الأسواق وارتفاع الأسعار، يقول فلسطينيون إن القدرة الشرائية شبه معدومة، ما يعمق الفجوة بين تحسن المؤشرات النظرية واستمرار المعاناة اليومية.

القدرة المؤسسية

وفي موازاة النقاشات السياسية والأمنية، يبرز سؤال القدرة المؤسسية على إدارة غزة في مرحلة ما بعد الحرب، في ظل تآكل البنية الإدارية والخدمية نتيجة الدمار الواسع. فالمؤسسات المحلية تعاني من نقص حاد في الموارد البشرية والمالية، بينما لا تزال آليات التنسيق بين الجهات الدولية والسلطات القائمة غير واضحة المعالم. ويعزز هذا الواقع المخاوف من فراغ إداري قد يقوض أي ترتيبات انتقالية، ويضعف فرص فرض الاستقرار، خصوصًا إذا لم تقترن الخطط السياسية بإجراءات عملية لإعادة تشغيل القطاعات الحيوية، وعلى رأسها الصحة والمياه والكهرباء.

معالجة الجذور

كما يرتبط مستقبل الاستقرار في غزة بمدى قدرة المجتمع الدولي على الانتقال من إدارة الأزمة إلى معالجة جذورها، عبر مسار متزامن يربط بين الأمن، والحكم، والاقتصاد. فاستمرار الاعتماد شبه الكامل على المساعدات الإنسانية، دون أفق واضح لإعادة الإعمار والتنمية، يهدد بإدامة الهشاشة بدل احتوائها. وفي ظل غياب ضمانات طويلة الأمد لحرية الحركة والتجارة، يبقى التعافي الاقتصادي محدودًا، ما يعمق التوترات الاجتماعية ويقوض أي محاولة لبناء نموذج حكم قادر على الصمود.



المجهول الذي ينتظر غزة


• مستقبل هيئة الحكم المحلية

• مصير قوة الاستقرار الدولية

• آلية نزع سلاح الفصائل

• استدامة وقف إطلاق النار

• قدرة المساعدات على الاستمرار

• تمويل إعادة الإعمار

• عودة النازحين إلى منازلهم

• إمكانية التعافي الاقتصادي.