ويعكس مشروع بناء الكولوسيوم الروماني مستوى رفيعًا من التخطيط والتنظيم والقيادة والتنسيق والرقابة، وهي الوظائف الجوهرية التي تقوم عليها نظريات الإدارة الحديثة. وعند دراسة الكولوسيوم من منظورٍ إداري، يتّضح كيف نجح الرومان في تحويل الرؤية إلى واقع عبر ممارساتٍ مؤسسية وإدارية منهجية. ووفقًا للمؤرخين، انطلق مشروع بناء الكولوسيوم بوصفه مشروعًا وطنيًا في ذلك الوقت، قائمًا على هدفٍ إستراتيجي وسياسي واضح. فقد بدأ الإمبراطور فِسباسيان تشييده نحو عام 72م، وأتمّه ابنه تيطس عام 80م، وكان لإنشاء هذا الصرح أسبابٌ سياسية واجتماعية.
ومن منظورٍ إداري، يعكس ذلك وضوح الرسالة والهدف؛ إذ رُبطت الغاية السياسية بالمنفعة العامة، ما عزّز الشرعية، وعبّأ الموارد، وحافظ على الالتزام عبر فترة تنفيذٍ ممتدة. ويُعدّ وضوح الغاية شرطًا أساسيًا لنجاح المشروعات الكبرى قديمًا وحديثًا. ورغم أن وضوح الرسالة والأهداف لم يُكتب عنهما بمصطلحاتٍ علمية إلا حديثًا في التاريخ البشري-إذ لم يمضِ على شيوع هذه المصطلحات أكثر من قرنٍ من الزمان، فإن ممارستها بدأت منذ زمنٍ طويل.
وكان الكولوسيوم من أضخم مشروعات الدولة الرومانية، وقد أُنجز خلال ثماني إلى عشر سنوات تقريبًا، وهو إنجازٌ لافت قياسًا بحجمه وتعقيده. وقد تطلّب ذلك تخطيطًا دقيقًا للمشروع شمل التصميم المعماري، وتوريد المواد، وتنسيق القوى العاملة، وضبط الجداول الزمنية. وتبرهن المشاريع الضخمة مثل بناء الأهرام، وسور الصين العظيم، والكولوسيوم على وجود الإدارة كممارسةٍ منذ قرونٍ طويلة، لكنها لم تُكتشف بوصفها علمًا إلا حديثًا مع ظهور منظّري المدرسة الكلاسيكية، وعلى رأسهم المهندس الأمريكي تايلور، والفرنسي فايول، والألماني فيبر.