لم تعد تجربة تركي بن عبدالمحسن آل الشيخ قابلة للاختزال في عدد الفعاليات أو حجم الحضور الجماهيري؛ بقدر ما أصبحت تجربة تمسّ شكل الحياة اليومية، وتعيد تعريف العلاقة بين الإنسان والمكان. فالسؤال لم يعد: ماذا قُدّم؟ بل: كيف تغيّر الإحساس العام بالمدينة، وبالوقت، وبفكرة الفرح نفسها؟ فالمدن التي تعيش على وتيرة واحدة؛ تُرهق سكانها، مهما بلغت كفاءة العمل فيها. وقد قال أفلاطون: «الحياة دون فرح ليست حياة»، وما أُنجز هنا ــ تنفيذا لتوجيهات القيادة وضمن رؤية 2030 ــ بدا ككسر للرتابة، لا استبدال الجدية باللهو، بل إعادة التوازن بينهما؛ وهو توازن طالما أُسيء فهمه لدى من يرون في الترفيه نقيضًا للقيم أو تهديدًا للهوية.

لم يُبَنَ هذا الإنجاز على الارتجال أو البطولة الفردية، بل على فريق منظّم يعمل بعقلية المنظومة.. فالنظام هنا لم يكن نقيض الإبداع، بل شرطه، كما قال أرسطو: «التميّز ليس فعلًا، بل عادة». ورغم شيوع النقد الذي يختزل التجربة في اسم واحد، إلا أن الواقع يؤكد أن فرق العمل المتخصصة هي ما يضمن استمرارية الإنجاز وتنوّع المحتوى، بعيدًا عن أي اعتماد على الشخصية وحدها.

حضور إعلامي بين الجدل والشفافية


اختار تركي آل الشيخ الحضور المباشر، وهو خيار مكلف بطبيعته، لكنه قلّص المسافة بين المسؤول والجمهور. ولقد قال نيتشه: «نحن لا نحتمل الحياة إلا لأن فيها لحظات خفيفة». فالحضور ــ رغم ما رافقه من جدل ــ لم يكن مسرحًا للسلطة، بل أداة لخلق الثقة، وإعادة مفهوم التواصل المباشر، بدل الاختفاء خلف البيانات الباردة.

استضافة الثقافات العالمية لم تكن استعراضًا، بل رسالة ثقة بهوية وطنية صلبة.. فالهوية التي تخشى الاختلاف ضعيفة، أما القوية فتتعامل مع التنوّع كعامل إثراء. كما قال ابن خلدون: «العمران لا يُبنى إلا بالفنون»، وهنا ظهر أن التفاعل الواعي مع الآخرين يُعزز الخصوصية ولا يهددها.

الترفيه لم يُقدَّم هروبًا من الجدية، بل وجهًا آخر لها.. فالإنسان المرهق أقل إنتاجًا وأضعف ارتباطًا بالمكان. وقد عبّر كارل يونغ عن ذلك حين قال: «الفرح ليس مجرد شعور، بل نشاط للنفس».. وهو ما يُفسِّر لماذا أعاد الاستثمار في الفرح التوازن النفسي والاجتماعي، بعيدًا عن أي محاولة لاختزاله في مجرد تسلية؟!

اقتصاد يتكئ على الصورة والمعنى

لم يقتصر الأثر على الجانب الاجتماعي، بل امتد إلى الاقتصاد. فالترفيه هنا أصبح صناعة متكاملة: محفزًا للسياحة، وجاذبًا للاستثمار، ومصدرًا لفرص العمل. وكما قال فولتير: «العمل الذي تحبه يضاعف العائد».. والقيمة اليوم لا تُقاس بالأرقام فقط، بل بالأثر الممتد الذي يجمع بين المال والمعنى، بين الإنتاجية والهوية.

يبقى التحدي في القدرة على التجديد والاستمرارية.. فالنجاح، إذا اكتفى بذاته؛ يفقد عنصر الدهشة، وكما يقول هيغل: «الفكرة التي تتوقف عن التطور؛ تبدأ في التراجع».

ومن هنا؛ فإن مسألة التجربة واستدامتها وتوازنها، جزء من حماية أثرها الحقيقي. قد تختلف الآراء حول الأسلوب، لكن الأثر حاضر في تفاصيل الحياة اليومية.. لقد أسهمت هذه التجربة في إعادة تعريف الفرح بوصفه حقًا منظمًا، لا فوضى عابرة، وفي تقديم نموذج لتحوّل ثقافي أدارته الدولة بعقل، نفّذه فريق، وتفاعل معه مجتمع. وكما قيل: «الأمم التي تعرف كيف تفرح، تعرف كيف تعمل.. وكيف تستمر».