وقد برزت المملكة العربية السعودية خلال السنوات الأخيرة كأنموذج عالمي يحتذى به في كيفية صون وتطوير الثقافة الوطنية والانفتاح على الثقافات الأخرى، حتى غدت الثقافة السعودية مضرب مثل عالميا.
تبنّت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الاحتفال بالثقافه بعد اعتماد إعلان اليونسكو العالمي بشأن التنوع الثقافي في عام 2001، إيمانا بأن التنوع الثقافي يعزز الابتكار، والإبداع، والتعايش السلمي بين الشعوب.
يهدف هذا اليوم إلى :
1. نشر الوعي بأهمية التنوع الثقافي.
2. تعزيز التفاهم والتسامح بين الشعوب المختلفة.
3. تشجيع الحوار الحضاري بين الأديان والثقافات.
4. تحفيز الدول على دمج الثقافة في سياساتها التنموية.
المملكة العربية السعودية مهد للحضارة الإسلامية، وموطنًا للثقافة العربية الأصيلة. وقد شهدت الثقافة السعودية عبر التاريخ تنوعا داخليا يعكس تعدد البيئات الجغرافية والاجتماعية، من الحجاز إلى نجد، ومن عسير إلى الشرقية.
اللغة العربية، والشعر، والفنون الشعبية، والملبس، والمأكولات، والعادات الاجتماعية، والمعتقدات الدينية، كلها تشكل نسيجًا غنيًا يعبر عن تنوع ثقافي داخلي فريد.
الهوية الثقافية السعودية اصبحت مع التحول الكبير في رؤية المملكة 2030 نقطة التحول الثقافي الكبرى بقيادة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، دخلت الثقافة السعودية مرحلة جديدة كليًا، حيث تحولت من إطار ضيق إلى أفق عالمي واسع.
من أبرز ركائز الرؤية في المجال الثقافي:
1. إنشاء وزارة الثقافة عام 2018 كمؤسسة مستقلة تُعنى بتنمية القطاع.
2. إطلاق إستراتيجية الثقافة الوطنية في 2019، والتي تضمنت أكثر من 100 مبادرة.
3. إنشاء 11 هيئة ثقافية تغطي الفنون، المتاحف، الأدب، المسرح، السينما، الأزياء، الطهي، إلخ.
4. فتح المجال للقطاع الخاص للاستثمار الثقافي.
5. تشجيع التبادل الثقافي الدولي.
الثقافة السعودية: من المحلية إلى العالمية
بفضل تلك التحولات، أصبحت الثقافة السعودية اليوم تحظى باهتمام عالمي. يمكن رصد هذا التميز في عدة أوجه :
1. إحياء التراث وتوثيقه عالميا
تم تسجيل مواقع سعودية في قائمة التراث العالمي لليونسكو مثل الدرعية، الحجر (مدائن صالح)، جدة التاريخية، وواحة الأحساء.
2. الانفتاح على الفنون العالمية
استضافة المعارض الفنية العالمية مثل بينالي الدرعية.
تنظيم عروض أوركسترا، أوبرا، ومسرح عالمي.
إقامة معارض للخط العربي، الفن المعاصر، الأزياء، والأطعمة.
3. تمكين المرأة ثقافيا
صعود أسماء نسائية في مجالات الكتابة، الإخراج، التمثيل، الفنون البصرية.
مشاركة المرأة السعودية في معارض فنية وأدبية دولية.
4. صناعة الأفلام والسينما
دعم إنتاج الأفلام السعودية وتمثيلها في مهرجانات عالمية مثل كان والبندقية.
تأسيس أكاديميات لتعليم التمثيل والإخراج والسيناريو.
انفتاح صالات السينما لتكون وسيلة لنقل القيم والتجارب السعودية.
5. القوة الناعمة والتبادل الثقافي
إرسال وفود ثقافية إلى أوروبا وآسيا وأفريقيا.
إقامة أسابيع ثقافية سعودية في باريس وطوكيو ونيويورك.
استضافة منتديات حوار بين الأديان والثقافات في الرياض.
التنوع الثقافي الداخلي.. وجه المملكة المتعدد
ما يميز السعودية أيضا أنها تعكس تنوعا داخليا كبيرا بين مناطقها وقبائلها ومجتمعاتها. فعلى سبيل المثال:
نجد : هي قبلة الشعر النبطي والزي النجدي المعروف.
الحجاز : ملتقى الحجاج والتجار، يتميز بتنوع لغوي وموسيقي ومطبخي.
الجنوب : ثقافة القرى الجبلية، والزراعة، والفلكلور المميز.
الشرقية : مزيج من الثقافة الخليجية والبحرية.
رؤية 2030 عملت على صيانة التنوع الداخلي وتقديمه كقوة ناعمة للعالم، من خلال دعم المهرجانات المحلية، وتوثيق التراث الشفهي، وتحفيز الإبداع الشبابي.
الثقافة في قلب التنمية الوطنية
لم تعد الثقافة مجرد ترف فكري، بل أصبحت رافدا اقتصاديا وتنمويا مهما، ومن أبرز مظاهر ذلك :
1. الصناعات الثقافية والإبداعية أصبحت مصدر دخل وفرص عمل.
2. دخول الثقافة في القطاع السياحي عبر المواسم والمعارض.
3. ربط الثقافة بالتعليم من خلال المناهج والأنشطة المدرسية.
4. تشجيع الشباب على العمل في مجالات ثقافية مثل التصوير، التمثيل، التصميم، الحرف اليدوية.
الشباب السعودي.. رواد الثقافة الحديثة
أصبح الشباب السعودي اليوم فاعلا ثقافيا عالميا، يستخدم أدوات العصر (السوشيال ميديا، الفن الرقمي، الموسيقى الحديثة) للتعبير عن هويته بطرق مبتكرة.
برزت أسماء شبابية في الأدب، والرسم، والموسيقى، والتصميم الجرافيكي، وصناعة المحتوى، حتى صار بعضهم سفراء غير رسميين للثقافة السعودية.
المملكة والنموذج العالمي للتنوع الثقافي
بما تقدمه المملكة من تجربة فريدة في إدارة التنوع الثقافي، يمكن القول إنها أصبحت مضرب مثل عالميا في عدة محاور :
التوازن بين الأصالة والانفتاح.
دمج الثقافة في خطط التنمية والاقتصاد.
احترام الخصوصية مع تشجيع التبادل الثقافي العالمي.
حماية الهوية مع تمكين الشباب والمرأة.
تقديم نموذج للتعايش والتسامح في مجتمع متعدد الخلفيات.
أخيرا :هذا التنوع الثقافي الذي تقدمه المملكة العربية السعودية رسالة قوية للعالم، أن الثقافة ليست إرثا فقط، بل هي قوة مستقبلية.
من خلال رؤية شاملة، واستراتيجيات دقيقة، وشغف وطني، واستطاعت المملكة أن تحوّل من حالة داخلية إلى قوة ناعمة عالمية تخاطب العقول وتلامس القلوب.
ولعل التجربة تؤكد على أن التنوع الثقافي ليس تحديا، بل هو فرصة ورؤية واضحة. واليوم، تتربع الثقافة السعودية على منصات العالم بكل فخر، وتدعو الجميع للحوار، والتفاهم، والاحترام المتبادل، نحو عالم أكثر سلامًا وعدلًا وتنمية.