للروايات -كما الأدب عمومًا- جمالها ومتعتها الخاصة، وهذه المتعة تختلف من قارئ لآخر؛ لأن تعدد الفهوم وطريقة استقبال النصوص هو من جمالياتها، جمال يجعلها وكأنها غامضة بسبب اختلاف التلقي؛ ولذلك تزيد متعتها خصوصًا إذا علمنا أن لكل قارئ ما يمتعه حسب تفكيره وما يسيطر على ذهنيته لحظة قراءته للرواية أيًا كان نوعها.
فأنا على سبيل المثال استمتع عند قراءة الرواية «بالوصف»، حينما يستطيع الكاتب أن يجعلني أتخيل شخصيات القصص وأحداثها والمواقف التي يمرون بها، كقوله عبارات على نحو: «وتقدم خطوتين إلى الأمام» «فالتفتت إلى أختها وهي تبتسم» «وعندما رفع رأسه رأى الدموع تنهمر من عينيه» «وعندما تحسست شعرها سقطت شعرة بيضاء بين أصابعها».. إلخ، فمثل هذه التفاصيل الصغيرة مؤثرة وتشدني، وبالتأكيد تشد الكثير من القراء للاستمرار والتعمق في قراءة بعض الروايات أو حتى الكتب ذات الطابع القصصي.
هناك نوع من الروايات تجعل من يقرأها وكأنه يكتشف ذاته من جديد؛ لأن متعتها تكمن في أن القارئ يجد ذاته من خلال كاتب النص، وكأن الكاتب يتجرد أمام الذات، فهذا التكشف أو الاعتراف ما هو إلا تعبير عن خوالج النفس، وما تشعر به في هذه الحياة من أحداث ومواقف، تجرأ الكاتب على البوح بها بدلاً عن القارئ؛ لتكون له تلك النصوص كالعلاج أو مسكنات مؤقتة يلوذ بها ويراجع نفسه من خلالها.
ويرى البعض أن الروايات وسيلة للهروب من الواقع وضغوطات الحياة؛ أي أنها تجعلك تعيش في عالم آخر موازٍ ولو مؤقتًا يعيد لنا طاقتنا الإيجابية، ويلملم ما تبعثر من مشاعرنا، فيما يرى آخرون أنها وسيلة لفهم الحياة بشكل أعمق، ومن المتع الجميلة في قراءة الروايات هو أنها منشطة للخيال المؤدي للإبداع، وهي تحول القارئ من كونه متلقيًا إلى كونه مشاركًا في النص، بل ويعيد ترتيب الأفكار والمعاني من جديد من خلال التحليل والتفكيك والربط؛ ليصنع معنى جديدًا وخاصًا به!.
والروايات التاريخية هي نوع من الروايات، وحينما تكون قيمة فهي تختصر مرحلة أو مراحل تاريخية تكون أسهل وأكثر إمتاعًا، وبعض الروايات الماتعة تثري القارئ بالكثير من المعلومات القيمة، وبعضها تكمن متعتها حينما تجعل القارئ يعيش شعور القلق الذي يدفعه للوعي والانكباب أكثر على المعرفة؛ ليواجه الحقيقة -على الأقل- ليتخفف مما يقلقه، واللغة كذلك من المكتسبات المهمة عند قراءة الروايات، خصوصًا عندما تمنح متلقي نصوصها مفردات قوية وبليغة، وكأنها تجعله يستكشف جمال اللغة من جديد متلذذًا بألفاظها وإيقاع كلماتها، وبعض الروايات الجيدة تذكرك بإنسانيتك وتحفز مشاعرك مجددًا حينما تتفاعل مع شخوص الرواية فتعيش معهم المواقف والأحداث التي يمرون بها، بل وتذكرك بعادات وخصال ربما تساهلت بها ونسيتها.
وأخيرًا هناك روايات تعرفك على ثقافات الشعوب وعاداتهم، وتعرفك بالأماكن وأهم المعالم في بلد ما وبأهم الشخصيات والرموز فيه وما جرى فيه من أحداث تاريخية، كل ذلك وأنت في مكانك من خلال الروايات الجيدة التي تختارها بعناية لتترك فيك أثرًا وتشعرك بالمتعة، وكل هذه المتع الناتجة من قراءة الروايات تختلف - كما ذكرنا- من قارئ لآخر، من قارئ متأمل يفتش ما بين النصوص لينتج معنى جديدًا لآخر يجد عزاءه وضالته في اعترافات الكاتب، ومن باحث عن جمال اللغة والمفردة لآخر يتلمس العودة الى إنسانيته التي فقد جزءًا منها أو فقدها بالكلية، وهكذا كل متعة يجد فيها كل قارئ ما يرمم داخله أو ما يجعله ينظر للحياة بمنظور آخر يجعله أكثر عطاء وحيوية، وبالمناسبة ينصح بعض المختصين بقراءة الروايات لمن أراد دخول عالم القراءة من المبتدئين.