في زمن تتسارع فيه وتيرة التغيير، ويعلو فيه شعار «تمكين الشباب» في مختلف المجالات، قد نقع أحيانًا في فخ المبالغة في الاعتماد على الشباب وحدهم، على حساب إهمال الخبرات السابقة والقدوات التي تشكّلت على أيديها معارفنا وتراكمت عبر سنوات طويلة من العمل والتجربة. ولا شك أن الشباب طاقة متجددة ومحرك أساسي للتطوير، لكن المشكلة لا تكمن في تمكينهم بحد ذاته، بل في إقصاء الخبرة واستبدالها المبكر بما لم يكتمل نضجه بعد.

إن المجتمعات المتوازنة هي تلك التي تنجح في الجمع بين حيوية الشباب وحكمة الكبار، لأن الخبرة ليست مجرد سنوات عمر، بل تراكم مواقف، وأخطاء، وقرارات، وقدرة على قراءة المشهد بهدوء واتزان. وعندما يتم تجاوز هذه الخبرات أو تهميشها، فإن الخسارة لا تكون فردية، بل مؤسسية، حيث تفقد المنظومة عنصرًا مهمًا من عناصر الاستقرار والقدوة.

ولعل المجال الرياضي يقدم مثالًا واضحًا على هذا الخلل، وخصوصًا في التحكيم. ففي الدوري السعودي، نلاحظ أن عددًا كبيرًا من الحكام المحليين الذين يديرون المباريات هم من صغار السن وحديثي الخبرة، مقارنة بأعمار اللاعبين وخبراتهم الرياضية الطويلة. بل إن كثيرًا من اللاعبين يكونون أكبر من الحكام عمرًا وأكثر خبرة في الملاعب، ما يخلق حالة من عدم التوازن داخل أرض الملعب. هذه الفجوة تؤدي في أحيان كثيرة إلى ضعف الثقة بين اللاعبين والحكام، وتنعكس في صورة اعتراضات متكررة، وتوتر مستمر، وأخطاء تحكيمية مؤثرة على مجريات المباريات.


في المقابل، وعند النظر إلى الدوريات الكبرى مثل الدوري الإنجليزي، نجد أن غالبية حكام المباريات هم من كبار السن نسبيًا وأصحاب خبرة طويلة في التحكيم. هذه الخبرة تمنحهم هيبة طبيعية داخل الملعب، وتجعل قراراتهم أكثر قبولًا لدى اللاعبين، ليس فقط بسبب معرفتهم بالقانون، بل بسبب قدرتهم على إدارة المباراة نفسيًا وسلوكيًا. فاللاعب، مهما بلغت نجوميته، يتعامل باحترام أكبر مع حكم يدرك أنه مر بتجارب طويلة ويملك سلطة مستمدة من سنوات الخبرة.

الاعتماد المفرط على الشباب دون وجود مظلة من الخبرة والتوجيه قد يؤدي إلى نتائج عكسية، سواء في الرياضة أو في غيرها من المجالات. فالشباب بحاجة إلى قدوات يتعلمون منهم، وإلى مراحل انتقالية تتيح لهم اكتساب الخبرة تدريجيًا، لا أن يُلقى بهم مباشرة في مواقع تتطلب نضجًا عاليًا وقدرة على اتخاذ قرارات مصيرية.

وفي الختام لا بد من التأكيد أن التقدم الحقيقي لا يتحقق بإقصاء جيل لصالح آخر، بل بالتكامل بين الأجيال. فالشباب هم مستقبل الوطن، والخبرات السابقة هي جذوره الراسخة. وإذا قُطع الجذر، فلن يصمد الغصن طويلًا، مهما بدا أخضر ومفعمًا بالحياة.