مع نهاية عام 2025 أصبح الذكاء الاصطناعي جزءًا من تفاصيل حياتنا اليومية؛ في العمل، والدراسة، والخدمات، وحتى في الطريقة التي نفكر ونتخذ بها قراراتنا. أدواته تكتب وتلخّص وتقترح، وتوفّر الوقت والجهد في مهام كثيرة. ومع هذا الحضور المتزايد، يظهر سؤال مهم: كيف نستخدم الذكاء الاصطناعي بطريقة تزيد وضوحنا وتدعم قراراتنا، بدل أن نستخدمه بلا وعي أو دون هدف واضح؟

ما يحدث اليوم في مجال الذكاء الاصطناعي هو تحوّل كبير يفرض علينا أن نفكر بشكل مختلف: لا يكفي أن ننبهر بالنتائج، بل أن نسأل أنفسنا: ما الهدف؟ وما الفائدة؟ وما أثر الاستخدام على قراراتنا اليومية؟ سواء كنت طالبًا، موظفًا، قائدًا، أو صاحب مشروع، العلاقة مع الذكاء الاصطناعي لم تعد ترفًا معرفيًا، بل أداة عملية!

الذكاء الاصطناعي يمكنه التنبؤ: مثل توقع الطلب، أو الإقبال، أو سلوك المستخدم. لكنه لا يقدم وحده قرارًا ناضجًا. فالقرار الجيد لا يعتمد فقط على «ماذا قد يحدث؟»، بل على فهم الأسباب: لماذا حدث؟ ما الذي يمكن تحسينه؟ وأين نركّز الجهد؟ مثال بسيط: إذا انخفض تفاعل الجمهور مع منتج ما، فالسؤال الأهم ليس فقط «كم انخفض؟»، بل لماذا؟ وما الذي يجب تغييره؟


النماذج الذكية يمكن أن تساعدك على رؤية الأنماط وتحليل الخيارات، لكن القرار نفسه يبقى إنسانيًا. الذكاء الاصطناعي يعطيك مقترحات، لا يفرض عليك خطوات. وهنا تبرز الحاجة لاستخدامه بطريقة متكاملة:

• حدد القرار المراد دعمه

• استخرج البيانات المناسبة

• اطلب تحليلًا قابلًا للفهم

• ثم قرّر، وتابع، وراجع الأثر

هذه الدورة البسيطة تجعل التقنية خادمة للقرار، لا بديلة عنه..

جودة استخدام الذكاء الاصطناعي مرتبطة بجودة البيانات. كل تحليل ناتج عما يدخل إليه: أرقام، أسئلة، وسياق. لذلك من المهم أن تكون البيانات منظمة، موثوقة، وواضحة. وفي الوقت نفسه، تبقى الخصوصية مسؤولية لا يمكن تجاهلها: لا تدخل معلومات حساسة في أدوات غير مخصصة لذلك، واحرص على حماية بياناتك وبيانات الآخرين. حماية الخصوصية ليست ضد الابتكار، بل دليل على نضجه.

هذا التحول لا يخصّ المختصين وحدهم. الجميع معنيّون به. وكل شخص له دور بحسب موقعه. والأهم أن هناك ثلاث قدرات بشرية تصبح أكثر قيمة مع انتشار الذكاء الاصطناعي:

1. طرح الأسئلة الجيدة

الأدوات تولّد إجابات بسرعة، لكن جودة السؤال تحدد جودة النتيجة. اسأل: ما الهدف؟ ما المشكلة؟ ما الافتراضات؟ السؤال الواضح يوفر وقتًا وجهدًا، ويمنع الوقوع في نتائج سطحية أو مضللة.

2. مراجعة النتائج بعين ناقدة

لا تأخذ كل مخرجات الذكاء الاصطناعي كأنها صحيحة. قد تكون مقنعة لغويًا لكنها خاطئة منطقيًا أو غير مناسبة لسياقك. لذلك، درّب نفسك على التحقق، ولا تندفع خلف أول إجابة.

3. فهم مبسّط للبيانات

يكفي أن تعرف أن كل رقم له مصدر وسياق، وأن التحليل الجيد لا يعني دائمًا قرارًا جيدًا. الفهم البسيط يساعدك على استخدام الأدوات بذكاء، دون أن تغرق في التفاصيل التقنية.

وفي هذا السياق، لا يمكن تجاهل ما تحقق على مستوى الوطن. ما نعيشه اليوم من حضور للذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة لم يكن عشوائيًا. هو نتيجة رؤية طموحة تنفذ بخطى واثقة، ودعم مباشر من القيادة الكريمة، وحرص من سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله - على بناء مستقبل معرفي، وتمكين الإنسان، والاستثمار في التكنولوجيا كأداة لصناعة الفرص. هذا التوجه منح المجتمع أرضًا خصبة للتطوير، وأتاح للجميع، أفرادًا ومؤسسات، أن يكونوا جزءًا من التحول لا متفرجين عليه.

ما نعيشه اليوم من تطور في مجالات التقنية والذكاء الاصطناعي فرصة كبيرة للأفراد والجهات، وفرصة أيضًا لصناعة قصص نجاح جديدة. قوة هذه الفرصة لا تأتي من التقنية وحدها، بل من الجمع بين رؤية واضحة، وإنسان مؤهل، وبيانات منظّمة، وأدوات ذكية تُستخدم بهدف محدد. هنا يظهر أثر الرؤية الوطنية التي تراهن على الإنسان والمعرفة والابتكار، وتفتح المجال أمام الكفاءات لتأخذ دورها في بناء المستقبل.

عامٌ جديد مبارك عليكم جميعًا، مليء بالتعلّم والإنجاز والخطوات الواثقة نحو غدٍ أفضل.