على مدى عقود ومنذ أن بدأت التنمية في بلادنا والشكوى قائمة من عدم غياب الحفر من شوارع المدن والقرى، حتى باتت مثل (اللزمة) لهذه الطرق والشوارع في كل مكان وزمان، وبات غيابها أمنية شبه مستحيلة، والغريب أنه على مدى تلك العقود والحفرة لا ينافسها أحد من حيث حضورها القوي وترديد اسمها والشكوى منها والتلويح بها كلما نوقشت مشاكل الناس ومشاكل الخدمات ومشاكل الرقابة والصيانة عبر وسائل الإعلام وعبر المجالس البلدية ومجالس المناطق ومجلس الشورى وربما حتى عبر مجلس الوزراء، إلا أنه حتى اللحظة لا يوجد مبرر يمكن أن يقنع المواطنين ببقاء مثل هذه المشكلة بلا حل رغم أنها مؤرقة ومزعجة لكل السكان.
قبل أسبوعين فوجئت في الصباح عند رغبتي في الخروج بسيارتي من المنزل أن شركة الكهرباء حفرت الشارع الذي عليه منزلي بشكل حال بيني وبين إمكانية إخراج سيارتي من المنزل، وقد غضبت كون المقاول المنفذ للمشروع والذي يقف وراء هذه الحفريات لم يبلغني قبل الحفر حتى أخرج سيارتي من المنزل، فقمت بتوثيق ما حصل بالكاميرا وفتحت الكراج لألتقط صورا تظهر السيارة مع الحفريات التي تحول دون إمكانية إخراجها، وقد لاحظني المسؤول عن ذلك المشروع فجاء إلي مسرعا معتذرا واستدعى على الفور كل الآليات لدفن تلك الحفرة لأتمكن من إخراج سيارتي، مع اعتذار شديد، طالبا مني عدم رفع الموضوع لشركة الكهرباء حتى لا يتضرر هو والعاملون معه.
وعلى مدى ثلاثة أيام راقبت عمل المقاول المعني بالحفر وراقبت طريقة دفنهم لتلك الحفر بعد الانتهاء من مد الكيابل، وراقبت كيف قاموا بسفلتة الجزء الذي أفسدوه بالحفر، ولاحظت أنه لا توجد أي جهة رقابية من البلدية أو أي جهة أخرى على من يعبث بشوارع المدينة التي من المفترض أنها تحت مسؤولية البلدية، ولهذا لا تستغربوا حين يكون عمل مثل هؤلاء المقاولين كيفما اتفق، وحينما يكون أكثر من 80% من الشارع محفورا وتعاد سفلتته بالقطعة ليظل متعرجا وغير مستو، حيث ما إن ينتهي مقاول من عبثه حتى يأتي مقاول آخر للعبث به مرة أخرى، وبينما توجد فقرة في العقد الموقع بين المقاول والجهة المسؤولة عن المشروع تنص على إعادة الشارع كما كان، ولكنها تظل حبرا على ورق، حيث لا رقيب ولا حسيب، والمقاول، بل عمالة المقاول، هي الكل في الكل، ولهذا شوارعنا في حال معيب يرثى له، وفي شكل لا يتناسب وما يفترض أن تكون عليه شوارع مدننا عطفا على الإمكانات المتاحة والميزانيات المعتمدة لتلك المشاريع، التي يحقق فيها المقاولون هامش ربح مالي عاليا، جراء تنازل البلديات، تحديدا، عن حقها في تطبيق شروط العقد الملزم للمقاول بإعادة الشارع كما كان. وفي ظني أن الشارع لا يمكن أن يعود كما كان إلا بإعادة سفلتته كاملا، لا بنظام الترقيع القائم حاليا، والذي علق عليه أحد الأصدقاء قائلا: إن الهدف من بقاء الحفر في الشوارع منذ ولادتنا إلى مماتنا هو هدف نبيل قائم على رغبة البلديات في تذكير المواطنين بحفرة القبر؟!