-1-

يبدو أن الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ الخمسينات إلى الآن، واقعة بين المطرقة الصهيونية، التي يمثلها اللوبي الصهيوني القوي، والغني، والمستطيع في واشنطن، وبين سندان بعض العرب. ولكن الميل الأميركي نحو إسرائيل، ودعمها، والوقوف إلى جانبها في مجلس الأمن، والأمم المتحدة، زاد عن حده في السنوات الماضية، بسبب النتائج الإيجابية في المجال الاقتصادي والسياسي والعسكري التي أظهرتها إسرائيل، مما زاد من قوة اللوبي الصهيوني في واشنطن، ودعّم مواقف أصدقاء إسرائيل داخل الإدارة الأميركية. وبالمقابل زاد الفشل العربي الاقتصادي والسياسي والعسكري، من ضرب المطالب والحقوق العربية عرض الحائط الأميركي من قبل الإدارات الأميركية المتعاقبة.

-2-

ولكن بعض العرب ظلوا أصدقاء مقربين للإدارات الأميركية، بسبب وجود مصادر الطاقة المهمة في أراضيهم. ولولا وجود البترول العربي وأهميته للصناعة والاقتصاد العالمي، لكانت إسرائيل قد حققت قيام دولة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات بكل سهولة، ولكانت إسبانيا توسعت في احتلالها لمدن مغربية أخرى، إضافة إلى مدينتي "سبتة" و"مليلة"، ولكانت تركيا اقتطعت المزيد من الأراضي العربية من سورية، أو من العراق، إضافة إلى لواء الإسكندرون، ولكانت إيران احتلت المزيد من الجزر العربية، إضافة للجزر الثلاث (طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبو موسى) التي احتلتها منذ 1971 وضمتها إلى أراضيها. ولأصبح الوطن العربي نهباً للاستعمار الغربي، كما عليه حاله بعد الحرب العالمية الأولى 1918 وسقوط الخلافة الإسلامية 1924، حيث تمَّ تقسيم العالم العربي بموجب اتفاقية سايكس- بيكو، بين الدول المنتصرة، في الحرب العالمية الأولى.

-3-

يتردد على لسان الساسة العرب، والباحثين، والمثقفين، والمعلقين السياسيين مطلب إقامة سلام عادل في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة بين الفلسطينيين وإسرائيل. وهو مطلب أخلاقي عادل، في مجتمع اليوتوبيا، الذي يظن العرب أنهم يعيشون فيه. ولكن العرب لا يعلمون - أو أنهم يعلمون ولا يريدون أن يظهروا علمهم - بأن السياسة عبارة عن غابة للوحوش الكاسرة فقط. أما العصافير والبلابل، فلا مكان لها في هذه الغابة، ومكانها في البساتين الوادعة. وأن معركة السلام تتطلب قوة واستعداداً وتجهيزاً أكثر بكثير من معركة الحرب. وأن الضعيف لا ينال إلا فُتات السلام، كعون، أو صدقة، أو شفقة. وما ستعطيه إسرائيل غدا للفلسطينيين بدافع أميركي رقيق، ليس الحق الفلسطيني، ولكنه الصدقة، أو الشفقة الإسرائيلية/الأميركية. فالحق الفلسطيني هو في دولة فلسطينية على حدود 1967، وليس على قطع أرض فلسطينية متناثرة هنا وهناك، هذا إن تحقق الآن. وهو ما عنينا به بالفُتات. فذلك، هو ما يستحقه الشعب الفلسطيني، الذي لا قيادة موحدة له، ولا هدف سياسياً موحداً له، وما زال يبكي على عرفات، لمعرفة من قتله، وكأنه يملك قوة الثأر من قاتلي عرفات، إن ظهروا! فحماس في غزة، لا تؤمن إلا بالكفاح المسلح وبتحرير فلسطين من البحر إلى النهر، كموقف إسلامي، أي أنها تنظر إلى المشكلة الفلسطينية من منظار ديني بحت. في حين ترى "فتح" أن قيام دولة فلسطينية، لا يتأتى إلا بالمفاوضات السياسية. وتعتبر قضية فلسطين قضية سياسية، يجب أن تحلَّ سياسياً. ومن هنا، نرى أميركا ومعها إسرائيل، غير مهتمتين، وغير منهمكتين، بإقامة الدولة الفلسطينية. ولن تقام الدولة الفلسطينية وفي فلسطين رأيان مختلفان، وحركتان متصارعتان، واحدة تقول يميناً، والثانية تقول شمالاً. ومن هنا نرى، أنه رغم الخداع الإسرائيلي والمماطلة الأميركية، وميل الشرعية الدولية إلى جانب القوي ضد الضعيف، إلا أن العرب والفلسطينيين يتحملون المسؤولية الرئيسية لما يحدث الآن في فلسطين، بل وفي منطقة الشرق الأوسط عامة.

-4-

لقد علم وأدركَ قادة إسرائيل من حاييم وايزمان إلى نتنياهو، أن العالم العربي (وكالة بلا بواب)، وأن أراضيه سائبة لمن يريد أن ينهب، ويسرق، ويضم. فقبل مأساة فلسطين بقرون، كانت البرتغال وإسبانيا قد تطاولت وسرقت من المغرب في القرن الخامس عشر مدينتي "سبتة" و"مليلة"، وبعدها، في عام 1939 سرقت تركيا لواء الإسكندرون من سورية، ولم يفعل العرب شيئاً غير الصراخ، والعويل، والتنديد، والوعيد. وكان الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية قبل عام 1948 من قبل اليهود تحصيل حاصل لما يجري في الوطن العربي من نهب وسرقة. إضافة إلى أن قادة اليهود وعلى رأسهم حاييم وايزمان - عالم الكيمياء الشهير، والسياسي المُحنّك، وصاحب العلاقات الدولية الواسعة، وأول رئيس لدولة إسرائيل - كانوا من أقدر السياسيين على إدارة معركة قيام الدولة الإسرائيلية.. أما نحن العرب، فكنا نقابلهم بالحاج أمين الحسيني القائد الديني الفاشل، الذي لبس العمامة الأزهرية، وهو لم يتخرّج من الأزهر لفشله في الدراسة، إذ طُرد من الأزهر بعد السنة الأولى، وهو من تحالف مع الديكتاتوريين: هتلر وموسوليني، وراهن على حصانين خاسرين، فضاع الحصانان، وضاعت معهما فلسطين.

-5-

إذن، رغم المحاولات الأميركية، ودعوة أميركا مؤخراً إلى المفاوضات العاجلة الفلسطينية – الإسرائيلية، إلا أن إسرائيل لن تتفاوض جدياً مع الفلسطينيين، لأنها – مع الأسف الشديد - تعتبرهم شحاذين سياسيين، يشحذون ما تيسّر لهم من فُتات الوطن! وهي تمُنُّ عليهم بما تعطيهم من فُتات الأرض منّاً بيّناً. فهي القوية، ونحن الضعفاء. ولا حلَّ لنا إلا القوة، لاستعادة كل ما سرقه اللصوص منا. ليس في فلسطين وحدها، ولكن في باقي أنحاء الوطن العربي. فالضعيف خاسر في الحرب، وخاسر في السلام أيضاً.