تستخدم التنظيمات الإرهابية العالم الإنترنت للدعوة إلى تبني إيديولوجيتها، ونشر الرُعب بين خصومها، وتجنيد عناصر جديدة، وتقديم تعليمات عن كيفية استخدام الأسلحة وترتيب الهجمات، وجمع المعلومات الاستخباراتية حول الأهداف المحتملة، والتواصل بسرية بين العناصر والجماعات الإرهابية، ودعم العمليات الإرهابية. وشبكة الإنترنت تُمكِّن المنظمات الإرهابية من توسيع الأماكن التي تصل إليها وإلى عالم كبير من المواهب والمهارات.

ومع أن جميع المنظمات الإرهابية تقريباً لديها مواقع إلكترونية، إلا أن تنظيم القاعدة، بحسب بحث نشرته مؤسسة "راند" الأميركية للأبحاث في ديسمبر الحالي، هو أول تنظيم يستغل شبكة الإنترنت بشكل كامل. ويعكس هذا خصائص تنظيم القاعدة الفريدة، فهو يرى نفسه كحركة عالمية ولذلك يعتمد على شبكة اتصالات عالمية للوصول إلى جماهيره المفترضين. كما يرى التنظيم أن رسالته ليست مجرد نشر الرعب بين أعدائه، بل بعث روح النهضة بين المسلمين أيضاً. وفي رأي قادة التنظيم فإن الاتصالات تعادل 90% من الصراع.

رغم المخاطر التي تنتج عن المطاردة المكثفة لهم، فإن قادة التنظيم يتواصلون بشكل منتظم عبر رسائل الصوت والصورة التي يتم رفعها على مواقع التنظيم الإلكترونية ونشرها على الإنترنت. ولقد ازداد عدد المواقع الإلكترونية المكرسة للحركات التي تستلهم فكرها من القاعدة ليصل إلى آلاف المواقع، مع أن كثيراً من هذه المواقع تختفي بسرعة. كما ازداد مؤخراً عدد المواقع الناطقة بالإنجليزية.

ويمكن تقسيم مواقع تنظيم القاعدة إلى ثلاث فئات: المواقع الرسمية التي تحمل رسائل القادة، ومواقع مناقشة القضايا الإستراتيجية من قبل شخصيات الصف الثاني، ومواقع تحوي العديد من غرف المحادثة. وكمية هذه المواقع وسهولة الوصول إليها اجتذبتا الكثيرين من "الجهاديين" الذين يستخدمون الإنترنت، وبعضهم يمتلك خبرات تقنية كبيرة ويستخدمون مهاراتهم في خدمة جهود الاتصالات.

كما أسس تنظيم القاعدة مجلات إلكترونية مثل (INSPIRE) وجنَّد أشخاصاً أميركيين من أجل سهولة التواصل مع أبناء جلدتهم، مثل آدم جدان وأنور العولقي. الذين يبحثون عن حوار مباشر أكثر يمكنهم أن يعملوا خلال الإنترنت لتبادل الرسائل مع المتحاورين "الجهاديين".

ويعتمد تنظيم القاعدة على الإنترنت ليس فقط من باب الضرورة، ولكن من أجل الفعالية أيضاً. العمليات الأميركية المكافحة للإرهاب ضربت القيادة المركزية للقاعدة وقلَّصت قدراتها العملياتية، في الوقت الذي أدى فيه التعاون غير المسبوق بين وكالات الاستخبارات في جميع أنحاء العالم إلى صعوبة بالغة في عمل "الجهاديين". ونتيجة لذلك، فإن تنظيم القاعدة اليوم أكثر بعداً عن المركزية، وهو يعتمد بشكل أكبر على قادته الميدانيين وعلى قدرته على إلهام المتطوعين المحليين لتنفيذ الهجمات.

وقد تبنى تنظيم القاعدة الجهاد الفردي مقارنة بالجهاد الذي تقوم به منظمة، وأكد على القيام بأعمال إرهابية فردية. أولئك الذين يستلهمون فكرهم من تنظيم القاعدة يتم تحريضهم ليفعلوا ما يستطيعون فعله في المكان الذي يتواجدون فيه. وهذا يُعتبر تحولاً كبيراً في الإستراتيجية. وكجزء من هذه الإستراتيجية الجديدة، أعلن تنظيم القاعدة اعترافه بأن الجهاد على الإنترنت مساهمة في الجهود "الجهادية". الكثيرون ممن يرغبون في "الجهاد" يبدؤون رحلتهم على الإنترنت بحثاً عن حلول لأزمات شخصية، أو على تبرير أو تعزيز لشعورهم بالغضب، أو إثارة الاشتراك السري في صراع ملحمي. ليس هناك أية طريقة لإحصاء "الجهاديين" على الإنترنت، قد يكونون بالآلاف. كما لا توجد طريقة لمعايرة مدى التزامهم، الذي قد يتراوح بين الفضول والتطرف الشديد. إلا أن قليلاً من هؤلاء انتقلوا من الإنترنت بحثاً عن معسكرات تدريب للإرهابيين في الخارج. فقد تم توقيف خمسة طلاب أميركيين مثلاً في باكستان لأنهم كانوا يحاولون الانضمام إلى مجموعة إرهابية – وكانوا قد بدؤوا رحلتهم على "يوتيوب".

ولكن بشكل عام يمكن القول إن الاستجابة في الولايات المتحدة لحملة التسويق المكثفة التي تمارسها القاعدة لم تثمر كثيراً. تشير بعض الدراسات إلى أن مجموع الأميركيين الذين تم اعتقالهم بتهم إرهابية بين أحداث سبتمبر 2001 حتى عام 2010 كان 176 شخصاً. لذلك فإن عدد "الجهاديين" الأميركيين حتى الآن يمثل نسبة ضئيلة من مجموع المسلمين الأميركيين الذي يبلغ حوالي 3 ملايين نسمة. وليست هناك أدلة على وجود تنظيمات جهادية سرية في الولايات المتحدة، حيث إن معظم القضايا يكون القائم بها شخص وحيد. كما أن مدى التزام "الجهاديين" الأميركيين، مع بعض الاستثناءات، يبدو ضئيلاً. فمن بين الـ32 حالة التي تم اكتشافها بين أحداث 11 سبتمبر وعام 2010، كانت هناك عشر حالات يمكن وصفها بمخططات عملياتية. ولحسن الحظ فإن غالبية "الجهاديين" الأميركيين يفتقرون إلى المهارة. ثلاثة فقط تمكنوا من محاولة الهجوم، واثنان فقط استطاعا أن يلحقا الضرر بالآخرين. الهجمات الانتحارية من قِبل الأميركيين نادراً ما تكون ضمن الخيارات. وهذا يؤشر إلى أن الجالية المسلمة في أميركا رفضت إيديولوجية تنظيم القاعدة، مما يعني فشل إستراتيجية القاعدة في استخدام الإنترنت.

إن استخدام الإنترنت لإعطاء تعليمات عن الأسلحة والمخططات الإرهابية هام بالنسبة للجهاديين، لكن المتطرفين تعلموا كيف يصنعون القنابل ونفذوا حملات تفجير قبل وجود الإنترنت بكثير. أخطر المؤامرات الجهادية في الولايات المتحدة كانت تلك التي تلقى فيها المتآمرون تدريباً في الخارج. لكن استخدام الإنترنت من قِبل "جهاديين" قد يصبح أكثر خطورة بتحوله إلى إرهاب إلكتروني يهدف إلى تخريب البنية التحتية الهامة.

ما هي الخطوات التي يمكن اتخاذها إذاً؟ مؤيدو الحرية المطلقة على الإنترنت يعلنون أحياناً أن الإنترنت يجب أن تبقى بعيداً عن أي تنظيم أو قانون. ولكن ليس هناك أدلة على أن أي محاولة لتقييد فكر الكراهية، أو التهديد، أو التحريض على العنف تنتهك في الواقع الدستور أو تقضي على الابتكار على الإنترنت. لكن أي محاولة لتحديد استخدام الإنترنت يجب أن تقيِّم بشكل واقعي القدرة على المراقبة وفرض القيود، ويجب ضمان الاتفاق الدولي على ذلك حتى تكون فعالة.

إن الإنترنت والإعلام الاجتماعي جزء من ميدان المعارك هذه الأيام. ولكن حتى الآن، فإن المخاطر التي تشكلها حملة القاعدة على شبكة الإنترنت لا تبرر محاولة فرض قيود قد يكون تطبيقها مكلفاً وقد ينتج عنها أمور غير مرغوب بها.