في اليوم الأول من شهر رمضان يتغير سلوك الكثير من الناس، وكأن الناس في الأول من رمضان غير الناس في التاسع والعشرين من شعبان. إن هذه النقلة السريعة في العادات والسلوك والنفسيات والاستعدادات تدل على أن انتقال الناس من وضع إلى وضع آخر أحسن طريقة وأقوم سبيلاً ممكن، وأن التغيير المتدرج ليس بالضرورة أن يكون بطيئاً ومعقداً إذا وجد الدافع الذاتي والإيماني الصادق الذي يدفع الإنسان إلى مجاهدة نفسه وتغيير سلوكه وطريقته.

إن هذا التغيير الذي يحدث بسبب شعيرة إيمانية وفرض ديني يدل على أثر المعاني الإيمانية في سرعة التغيير الإيجابي، وأن التهوين من أهمية وفاعلية الخطاب الديني في حركة التغيير يكلف الكثير، فإن الدافع الإيماني الذاتي أقوى ما يحرك الناس إلى تغيير حياتهم وأنماط سلوكهم، ولذا كانت النبوة المحمدية هي التي أحدثت النقلة الكبيرة في الجزيرة العربية في زمن وجيز، لأن الخطاب كان خطاباً عقدياً يأتي على القلوب قبل العقول ليحدث فيها التغيير، فكان أن تخرج للناس ذلك الجيل النبوي العظيم في فترة وجيزة وضرب للعالمين أروع الأمثلة في سرعة التغيير ونموذجيته التي أبهرت الناس جميعاً.

لكن هذا التغيير المنشود من شهر رمضان ليس تغييراً في الطقوس الظاهرة، بل هو تغيير يأتي على داخل الإنسان ليعمل على إصلاحه، ترقياً في الإيمان، وصحة في الأخلاق، وقرباً من الخالق، واستجابة للأوامر، واجتناباً للنواهي، وتدريباً للنفس على الصبر عن الشهوات، وهذا هو المعنى والمقصد الشرعي من الصيام: "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون".

إن استشعار مقصد الصيام هو الذي يحدث التغيير في النفس، وهو الذي يحدث الأثر على الذات، وهو الذي ينقل الصوم من كونه "عادة" باردة لا حياة فيها لتصبح مدرسة سنوية ودورة تدريبية لتهذيب النفس وتعويدها على العادات الحسنة، فالشعور بأولئك الذين لا يجدون قوتهم مقصد، ومجاهدة النفس على التحمل والصبر مقصد، وترك العادات السيئة مقصد.

إن المعنى اللغوي للصيام: الامتناع، وهو كبح جماح النفس عن الطعام والشراب، ولكن المعنى الشرعي يتجاوز المعنى اللغوي ليشمل سلوك الإنسان وأخلاقه وعلاقته بالناس، "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه"، كما قال عليه الصلاة والسلام، وهذا يعني تجاوز معنى الصيام لإصلاح الإنسان وعلائقه بالآخرين، "فإن سابه أحد أو شاتمه فليقل إني صائم"، وهذا هو الأثر الحقيقي الذي أراده الشارع من الصيام لا مجرد الامتناع عن الطعام والشراب.