هناك أسئلة كثيرة، وُجهت إليّ في الأيام الماضية، فأجبتُ عنها، منها:

سؤال: من يعتقد أن الاستبداد الذي تمارسه الأنظمة العربية على شعوبها، هو استبداد فكر جمعي، أنتجته تلك الشعوب العاشقة للاستبداد بالتوارث، وليست الأنظمة إلا صورة لما يختلج في فكر ووجدان تلك الشعوب، فما رأيك؟

ج: هذا صحيح. فقد طال أمد الاستبداد بالشعوب العربية منذ مئات السنين، حتى الآن. وأصبح السجن هو الحرية، والحرية هي السجن. وعندما تضع عصفوراً في قفص لمدة طويلة، فإنه يفقد القدرة على الطيران من جديد. لذا، يفتح بعضهم أقفاص عصافيرهم، ولكن هذه العصافير، لم تعد تقوى على الطيران، بعد أن طال سجنها في الأقفاص.

سؤال: لو سلَّمنا بأن الغرب، يودُّ أن يرى الشعوب العربية تعيش عصوراً ديموقراطية مزدهرة، فهل ستظل أميركا والغرب متحكمة في اقتصاد العرب، وهل ستظل إسرائيل محتلة للأرض الفلسطينية، لو تحررت الشعوب العربية من تخلفها، واستبدادها، وأصبحت حرة ديموقراطية؟!

ج: لنسأل أنفسنا: - هل من مصلحة الغرب، أن يجد في الشرق الأوسط دولاً مستقرة، تحكمها نُظمٌ شبيهة بنظمه، أم لا؟ - وهل من مصلحة الغرب، أن يكون الشرق الأوسط كالبحيرة الساكنة الهادئة الوديعة؟ أم أن من مصلحته، أن يكون الشرق الأوسط سجناً كبيراً للاستبداد، والفساد، والظلم؟ الإجابة عن هذه الأسئلة، تجيب بالتالي عن السؤال السابق. أما بالنسبة للقضية الفلسطينية، فقد اختفت فلسطين من خارطة العالم، واعترفت معظم دول العالم بإسرائيل. فهل من الحكمة أن نتساءل، بعد أكثر من 60 سنة من ضياع فلسطين، عن فلسطين؟ فأين هي فلسطين؟ نعم، هناك فلسطينيون بدون فلسطين، كما كان هناك يهود قبل قرن من الزمان، بدون إسرائيل!

سؤال: من يقف وراء الإرهاب، وهل يُصدِّق العقل أن تقوم منظمة كـ "القاعدة" بكل هذه الأعمال الإرهابية، في كل مكان من العالم؟! أم أن "القاعدة" أصبحت سحراً وهمياً، وغطاءً تلعبُ به القوى السياسية الكبرى، لتمرير مصالحها؟

ج: الإرهاب فكر، وتعليم، وتربية، أكثر منه تنظيما سياسيا. فما هو فكر الإرهاب؟ هو الفكر الذي يؤمن بالحقيقة "المطلقة"، وليس بالحقيقة "النسبية". هو الفكر التلقيني، الذي يُعطِّل إعمال العقل في الطروحات والأفكار. والتعليم الظلامي تعليم تلقيني، يعتمد على الحفظ، وليس التحفُّظ تجاه المقولات المطروحة.

سؤال: هل تخطينا الآن "الربيع العربي"، ودخلنا في "الصيف" الطويل، والساخن؟

ج: لا أظن أن ما حصل في بداية النصف الثاني من القرن العشرين، سوف يتكرر الآن. كل المعادلات اختلفت في العالم العربي، والعالم كذلك. صحيح أن هناك قوى إقليمية، وقوى عالمية أوروبية وأميركية، تساند وتدعم بعض الأنظمة القروسطية، مالياً، وسياسياً، واستخبارياً، ولكن هذه القوى كانت موجودة في النصف الثاني من القرن العشرين. ففي الأردن – مثلاً – كانت المعونة العربية للأردن بدلاً من المعونة السنوية البريطانية (10 ملايين جنيه إسترليني) موجودة بعد خروج "جلوب باشا"، وحلف بغداد بوعوده المختلفة كان قائماً، والدعم البريطاني للنظام كان جدياً، والملايين تنهال على الأردن من دول عربية مختلفة. ولا عداء ولا خوف من إسرائيل، أو من أي جارٍ عربي كسورية، أو العراق آنذاك. ولولا ما حصل عام 1967 وخوف الأردن من الانهيار، أمام نمر من ورق (الناصرية)، لما فُقدت الضفة الغربية، بتلك السهولة.. لا، بقية العالم العربي، لم يتخطَ "الربيع العربي" بعد. فهذا الربيع ليس موسمياً، أو زمنياً، مدته أربعة أشهر فقط، وينقضي ككل الأشهر والمواسم، ولكنه ربيع مجازي، ودائم؛ أي أُطلق عليه ربيعاً، لا لتحديد مدته بأربعة أشهر فقط، ولكن لأن زهور الحرية والديموقراطية، قد بدأت تتفتح فيه. فكيف يكون ربيعاً محدد المدة بموسم واحد فقط، وتونس ما زالت تعيش فيه، منذ أكثر من سنة ونصف، منذ نهاية عام 2010؟ وكذلك الحال بالنسبة لمصر، وليبيا، واليمن، وسورية؟ وسوف يستمر "الربيع العربي" هذه المرة، لأن البراكين العربية قد انفجرت، وبدأت الحمم تنتشر في كل مكان، ولن تنفع معها كل الوعود، والمسكِّنات.

سؤال: في "الربيع العربي" انكشف الغرب وأميركا، واتضح أنهم أعداء لتحرر الشعوب العربية، وليسوا أنصاراً للحرية، والعدالة، وحكم القانون، والديموقراطية، كما يدعون. وقد انكشفت ازدواجيتهم، أليس كذلك؟

ج: هذا غير صحيح. صحيح أن أميركا دعمت بعض الأنظمة المحافظة في العالم العربي، أثناء الحرب الباردة، مقابل أن الاتحاد السوفيتي دعم الدول الدكتاتورية: بومدين في الجزائر، صدام حسين في العراق، عبد الفتاح إسماعيل في اليمن الجنوبي، القذافي في ليبيا، عبدالناصر في مصر، حافظ الأسد في سورية.. إلخ ولكن، علينا ألا ننسى أن الذي أوقف "العدوان الثلاثي" على مصر في 1956 هو الإنذار الأميركي في عهد آيزنهاور. وأن الذي حرر الكويت من عدوان صدام حسين 1991 هو أميركا. وأن الذي خلع صدام، وقبض عليه، وسجنه، وأعدمه، هو أميركا. وأن الذي خلع القذافي، وقتله، هو المساعدة الأميركية. أما في سورية، فحظ بشّار الأسد (يفلق الحجر!) فأميركا الآن عاجزة مالياً، عن القيام بحملة عسكرية ضده. وكان يجب القضاء على الدكتاتورية في سورية، قبل العراق عام 2003.

سؤال: وأخيراً، ما رأيك في المعلقين على مقالاتك؟

ج: أقول فيهم، ما قاله طه حسين عام 1914 في كتابه "تجديد ذكرى أبي العلاء" ، ولكن قبل هذا القول نردد ما قاله الشاعر العربي:

هذا زمان القرود فاخضع وكن لها سامعاً مطيعاً

ونذكِّر بما قاله حجة الإسلام (أبو حامد الغزالي) من أن للرأي ثلاثة وجوه: "رأي لكل سائل ومسترشد، ورأي لا يطَّلع عليه إلا أهل النباهة. ورأي لا يطَّلع عليه أحد، ولا يعلمه إلا الله".

أما ما قاله طه حسين في عام 1914، فهو التالي: "هناك من قرؤوا ما كتبت، فدفعوا أو اندفعوا إلى نقده بعلم وبغير علم، مخلصين وغير مخلصين. وكنتُ أودُّ لو وجدتُ فيما كتبوا شيئاً يستحق أن يُسطَّر، أو يناقش. ولكني آسف الأسف كله، لأني لم أجد فيما كتبوه إلا شتماً وسبَّاً، وإلا طُرقاً في الفهم معوجة. فمن الواجب عليَّ، ألا أضيع الوقت في العناية بذلك، ومناقشته. فأما هذا الذي يبغضك، ويحقد عليك، فيتخذ النقد سبيلاً إلى إيذائك، والنيل منك، فخليق بك أن تتركه، وشأنه".