نشرت صحيفة الوطن في عددها ذي الرقم 4319 وتاريخ 27 /7 /2012 تقريرا بعنوان: (تزايد نشاط عصابات التسول والأمن يترصد أوكارهم) وهذا ما دعاني لأن أقف عند أطراف ظاهرة تعد آفة من أكثر الآفات الاجتماعية التي تثير الفوضى وتسيء للمظهر الاجتماعي العام للمجتمع، وخاصة في المجتمعات التي توفر الخدمات والرعاية وتعمل دائما على تحسين مستويات المعيشة، ونظراً لأن المتسولين أصبحوا متمثلين لطريقة حياتهم ومتكيفين مع الدور الذي يلعبونه في المجتمع، والذي يساعد على تشكيل اتجاهاتهم نحو الناس وطريقة الحياة ونوع النشاط المرغوب، بحيث لم يعد من السهل تغيير اتجاهاتهم، كما أنهم ينقلون أنماط حياتهم لأبنائهم، إذ أصبح التسول مهنة يزاولها البعض ويورثها لأبنائه من بعده.

هو عالم غامض بمكوناته وآلية عمله وأساليبه المبتكرة والمبتدعة، فالأمر أبعد ما يكون عن البساطة والتلقائية أو استجابة لحاجة يفتقدها الإنسان، إنها ـ كما وصفها الكثيرون ـ مهنة لها أسسها وقوانينها ودخلها الكبير، كما أفاد الأستاذ سعد الشهراني ـ مدير مكتب مكافحة التسول بفرع وزارة الشؤون الاجتماعية بمنطقة مكة المكرمة في العدد الآنف ذكره ـ بأنه من بين المقبوض عليهم رجل مسن كان يمارس التسول وبحوزته مبلغ يتجاوز 72 ألف ريال.

إن تجاوب الناس مع المتسولين بطريقة عفوية هو نتاج ثقافة مجتمع، وهي ثقافة دينية، وخجل من رد السائل، لكن لو تذكر الناس أن المتسول يسأل يوميا مئات الناس وربما الآلاف غيره، وأنهم يعملون وهو لا يعمل، وأن تجاوبهم معه حرم المجتمع من طاقة منتجة لتراجعت ظاهرة التسول، حيث إن السائل لا يمد يده إلا وهو يعرف أن هناك من سيشفق عليه ويمنحه المال، خاصة في ظل الأدوات المستخدمة للتسول وتصنع العاهات المستديمة لاستجداء عاطفة الغير ومن ثم ماله، وبعضهم يستغل الأطفال بطريقة غير إنسانية، فيدخل الطفل الصغير إلى عالم مجنون لا يعرف إلا المصالح والمنفعة، ولا يفقه غير المادة وكيفية الحصول عليها.. وبذلك تتحول تلك البراءة وتتشوه بما تكتسبه من الاحتكاك بهذا المجتمع، وبالمقابل يتم استغلال مشاعر الناس المتعاطفة مع الأطفال لكونهم يثيرون مشاعر الشفقة والإحسان مما يزيد من تلك الظاهرة وانتشارها.

إن هذه الظاهرة بحاجة إلى جهود منظمة وإلى خطط من أجل القضاء عليها، وإلى وعي من كل أفراد المجتمع بمكافحتها أيضا، وعدم الانسياق وراء العواطف واستثارة المشاعر لأن التعاطف بمثل هذه الحالات يزيد من هذه المشكلة بدلاً من تداركها.

نحتاج إلى تكاتف المجتمع بأكمله لمناهضة التسول، ابتداءً من توسيع المشاركة العملية في حل قضية أطفال الشوارع مثلما هو الحال في بعض الجمعيات الأهلية التي تتحمل على عاتقها مساعدتهم ورعايتهم والاهتمام بتعليمهم، وزيادة الوعي بأهمية قبول الآخر، خاصة ممن نشأ في ظروف اجتماعية واقتصادية قاسية، وانتهاءً بإجراءات حجر للمتسولين وجمعهم وتثقيفهم من خلال محاضرات تكون ضمن برنامج عمل متكامل من أهمها تلبية احتياجاتهم الضرورية، والتشدد في إلزامية التعليم، وإعادة تأهيلهم وإدماجهم بالمجتمع بشكل سليم كي يتمكنوا من النهوض وتطوير أنفسهم‏، وهذا ما تسعى إليه وزارة الشؤون الاجتماعية، وإن كنا نحتاج إلى جهود مكثفة في جميع مناطق المملكة العربية السعودية، حتى يتم القضاء على الظاهرة التي أصبحت تتزايد في بعض المناطق عند كل إشارة مرور وأمام كل مسجد أو صراف آلي.

ولكن المضحك المبكي في الأمر أننا على بداية أعتاب حركة جديدة في عالم التسول ألا وهي (التسول الإلكتروني) فقد انتشر التسول في مواقع التواصل الإلكتروني مثل "فيس بوك"، و"تويتر"، وأيضاً عبر البريد الإلكتروني باستخدام حيل جديدة وشرح ظروف وهمية لا أساس لها من الصحة لاستدرار عاطفة البعض خلف أسماء مستعارة. هذه الصرعة الجديدة في عالم التسول تحتاج لنشر وعي إعلامي مكثف حتى لا تستفحل وتصبح ظاهرة تمتلئ بها الشبكة العنكبوتية.

يكفي ما نشاهده يومياً في شوارعنا من تشويه لمناظرها الجمالية بسبب أشخاص لا أدري هل هم مظلومون أم ظالمون!