بالاعتماد على المعطيات التي توفرها البيئة العالمية الحالية وما تحمله من مؤشرات اقتصادية وسياسية واجتماعية مختلفة، حدد خبراء من "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية" سلسلة من التوجهات، التي يعتقدون أنها قد تؤثر على سير الأحداث في أوروبا وجوارها وعلى مناطق أخرى من العالم في عام 2012. وقد نشر المجلس في ديسمبر عدة توجهات يعتقد الخبراء أن احتمالات حدوثها كبيرة. من بين أهم هذه التوجهات ما يلي:

1-حدوث صِدام بين الحضارات الأوروبية: مع أن السبب الحقيقي للأزمة المالية العالمية هو العيب البنيوي المتمثل في تصميم عملة موحدة دون وجود خزانة مشتركة، إلا أن الأوربيين الشماليين يميلون إلى تفسير مشاكل اليورو على أنها صدام بين دول شمال أوروبا التي تتحلى بالمسؤولية المالية ودول جنوب أوروبا التي تفتقر لمثل هذه المسؤولية. ومن ناحية ثانية، تشعر أقطار جنوب أوروبا بأنها تعرضت للخيانة بسبب ما ترى أنه تضامن محدود ومشروط من قبل دول الشمال. هم يشعرون أنهم ساهموا في نجاح ألمانيا خلال نصف العقد الماضي من خلال شراء الصادرات الألمانية مثل السيارات. وفي الوقت نفسه، وجدت فرنسا نفسها محصورة في الوسط. فهي تريد أن تكون جزءاً من الشمال –حيث تتحول القوة حالياً- لكنها تجد نفسها معرضة لخطر اعتبارها جزءاً من الجنوب. الحقائق لا تؤيد دائماً هذه القراءة الثقافية للأزمة –مثلاً، كان الألمان المحبون للنظام والقوانين هم الذين كسروا قواعد الاستقرار والنمو، فيما التزمت إسبانيا بشروطها.

2-ألمانيا تعيد اكتشاف حقيقة كونها دولة أوروبية: يتوقَّع الخبراء أن الأسواق التي كانت تقود الاقتصاد العالمي سوف تبدأ بالاهتزاز، وستشعر ألمانيا أخيراً بالأثر الكامل للأزمة. وستتوالى المشاكل الاقتصادية على ألمانيا وتفتح الباب أمام قبول السندات الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي كآخر الحلول الممكنة.

3- بروز أوروبا على النموذج البريطاني، ولكن بدون بريطانيا: في الوقت الذي تغادر فيه بريطانيا المسرح الأوروبي تدريجياً، تبدأ أوروبا بقبول الكثير من الخصائص التي كانت بريطانيا تقاتل من أجلها لفترة طويلة: إعطاء دور أكبر للحكومات والبرلمانات الوطنية؛ وجعل أوروبا أكثر اتساعاً تتجاوز القلب الأساسي؛ وإجراء إصلاحات ليبرالية هيكلية لاقتصاديات جنوب أوروبا؛ والفقدان النسبي لسُلطة المؤسسات المركزية مثل المفوضية الأوروبية.

4- الصين تُجبر على الدخول في منظومة للدول الثلاث الكبرى (G3) للحفاظ على قيمة احتياطياتها: تستقبل أوروبا والولايات المتحدة حوالي 43% من صادرات الصين، وأكثر من 90% من احتياطي النقد الأجنبي الذي تملكه الصين هو بالدولار أو اليورو. لذلك تحتاج الصين للأسواق الغربية وتخشى على قيمة مدخراتها العالمية. في 2008-2009 وكذلك في نوفمبر 2011 قامت البنوك المركزية الغربية بإنقاذ الاقتصاد العالمي من أزمة سيولة. وحيث إنها الدائن رقم واحد في العالم، يمكن أن تسعى الصين إلى تشكيل مجموعة (G3) مع مدينيها من أجل حل تعاوني، وإلا فقد لا تستطيع أن تفعل شيئاً، إذا قام الدائنون باختلاق مشكلة سيولة تؤدي في النهاية إلى تقليص قيمة ديونهم.

5- الاندفاع الروسي نحو البنوك الأوربية: رغم الضغوط التي تشهدها روسيا من أجل التحول نحو الليبرالية السياسية والتحديث الاقتصادي، فإن عودة فلاديمير بوتين إلى الرئاسة قد تؤدي إلى عودة موجة من السلطوية المحبطة. في المقابل، من المتوقع أن يهرب رأس المال المتحرك من روسيا ويبحث عن ملاذ أكثر أمناً في أوروبا.

6-إعادة عسكرة أوروبا: عانت قوة أوروبا الناعمة من ضربات متلاحقة خلال الأزمة الاقتصادية/السياسية الحالية، فيما تظهر المشاكل في ليبيا وسورية، واحتمال امتدادها إلى إيران وإسرائيل، ولذا فإن الرد العسكري المتماسك لا تزال له قيمة في عالم متعدد الأقطاب. وفي الوقت الذي يزداد فيه تأثير التقشف أكثر، يتوقع المحللون أن تقبل الحكومات الأوروبية أخيراً بحقيقة أنها يجب أن تشارك في إعادة التسلح بسبب فقدان ثقتها بالالتزام الأميركي بالدفاع عن أوروبا.

7- الصين تكتشف السياسة التنافسية فيما تعزز مبدأ السُلطوية: يتصاعد التنافس في بكين قبيل استبدال سبعة من عشرة أعضاء في المكتب السياسي، أعلى سُلطة سياسية في الصين. المنافسة تركز على قضايا هامة مثل التنمية الاقتصادية. وفي الوقت نفسه، تواجه القيادة الصينية جميع التوترات والصراعات الاجتماعية داخل المجتمع الصيني بالطريقة المعهودة –الطريقة السُلطوية.

8- عودة تركيا للتعاون المكثف مع الولايات المتحدة: مع اكتشاف أنقرة لحدود إستراتيجياتها الإقليمية ومواجهتها لاضطرابات في علاقاتها مع إيران، وفي ضوء تعقيد علاقاتها مع حلفاء سابقين مثل سورية وإسرائيل، وتباطؤ النمو الاقتصادي الوطني، ستجد تركيا نفسها بحاجة لتوثيق علاقاتها مع الولايات المتحدة. ومن ناحية ثانية، قد يرفع الانسحاب الأميركي من العراق حظوظ أنقرة كحليف رئيسي للولايات المتحدة في المنطقة.

9- قبول دولي لحركة الإخوان المسلمين: تصبح حركة الإخوان المسلمين الشريك الأكثر ملاءمة ونفعاً للغرب في الشرق الأوسط الجديد، خاصة بالنسبة للولايات المتحدة. تثبت الحركة أنها حركة ناعمة بعيدة عن التحدي طالما أن القوى الغربية لا تضغط عليها في قضايا محددة تخص الحريات المدنية وإسرائيل. من جانبها، ستجد الحركة الغرب ممتناً لها، لأنها ساعدته في التخلص من أنظمة غير صديقة.

10- عاصفة إيرانية كاملة: مع أن الصراع بين الغرب وإيران لم يتحقق خلال السنوات الماضية، فهناك مجموعة من العوامل التي قد تغيِّر ذلك خلال عام 2012. أولاً، هناك قيادة إسرائيلية متشددة وضعت لنفسها خطوطاً حمراء بخصوص البرنامج النووي الإيراني. ثانياً، هناك الممارسات المستفزة من قبل إيران التي بدأت تشعر أن المنطقة تفلت من بين يديها. ثالثاً، هناك عمليات استخباراتية غربية سرية متزايدة ضد إيران مما قد يستفز رداً من قبل إيران. رابعاً، الدورة الانتخابية الأميركية ستجعل الإدارة الأميركية مترددة في الظهور بمظهر الضعف في مواجهة إيران أو بمظهر الخلاف مع إسرائيل. هذه العوامل قد تجعل حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تعتقد أن هذا هو التوقيت المناسب لدفع الولايات المتحدة لضرب إيران.