يروي "محمد" وهو رجل أعمال أنه سافر ذات يوم إلى بلد وسكن أحد فنادقها، وقبل مغادرته ملأ حقيبته الشخصية التي تحتوي على أوراقه الرسمية في العمل ببعض المنتجات الاستهلاكية، ولما وصل إلى المملكة اكتشف أن الشامبو انسكب على الأوراق الرسمية، وخسر كثيراً من عمله ومن ماله مقابل طمعه في أشياء تافهة.

هكذا يفعل بعض الناس عندما يسكنون في فنادق سواء داخل المملكة أو خارجها، يسددون فواتيرهم ويغادرون، ولكن ليس قبل أن يملؤوا حقائبهم بمنتجات استهلاكية مثل الشامبوهات، والصابون، والفرش، ومعجون الأسنان، والكريمات وأدوات الحلاقة، والمناديل، وأطقم الخياطة، وأكياس الشاي والسكر، وغيرها من العينات التي يوفرها الفندق في دورات المياه الموجودة في الغرف، والبعض الآخر يخرج بالمناشف، وعلاقات البدل، وأدوات السفرة من الصحون، والملاحات، والصينيات، ومطفأة السجاير.

واللافت للنظر، أن الزبون يدفع سعرا مرتفعا للغرفة لا يضاهي قيمة المستلزمات التي يأخذها، بيد أن شعورا ينتابه في كثير من الأحيان بأنه لا بد أن يتحصل على هذه الأشياء كردة فعل على المبلغ الذي دفعه وهو غير مقتنع به، أو لأنه يعتبر هذه الأشياء حقا من حقوقه ترتب مقابل استئجاره للغرفة.

وتوضح "هيا" أنها دائماً ما تسافر إلى بعض دول شرق آسيا، وتسكن هي وأسرتها في أحد الفنادق الفاخرة، فيلجؤون بصفة يومية إلى وضع المنتجات الاستهلاكية الموجودة في دورات المياه في حقيبة السفر، ويجمعون كميات كبيرة، لأن الفندق يضع لهم عينات بصفة يومية في الغرف عندما يجد أنها غير موجودة، وتعترف أنهم يخفونها حتى يضع العاملون عدداً إضافياً منها كل صباح ومساء.

وتقول "لكن العجيب أننا نعود بكميات كبيرة، ولا نستخدمها في البيت، حيث نعرج على السوبر ماركت، ونبتاع ما هو موجود به من أصناف بأحجام كبيرة".

وتجد "منى" أن هذه العينات لا يمكن مقاومتها، خاصة عندما يوفرها فندق فاخر، فتأخذ معها المنتجات التي هي من صنع الشركات الشهيرة مثل ماركة "بولجري"، لأنها مرتفعة الثمن في السوق، كما أنها تأخذ معها العينات لأنها صغيرة الحجم ووزنها خفيف توضع في حقيبة اليد بمنتهى الخفة والراحة إذا ما ذهبت بها إلى أي مكان.

ويوافقها القول "أحمد" الذي يؤكد أنه يحرص على أخذ كل ما يمكن إذا كانت (ماركات)، ولأنه لا يجد أحجامها الصغيرة في الأسواق.

أما "عواطف" فتحرص على أخذ فرش الأسنان ومعجونها، لأنها دائماً ما تزور مكة المكرمة، أو المدينة المنورة، ويهمها أن تكون في حقيبة يدها بدلاً من استخدام العبوات المنزلية التي قد تنساها في الفندق، وتضطر إلى الخروج لشراء أخرى جديدة بعدما تعود.

ويوضح مدير شؤون الغرف بفندق راديسون بلو في جدة فادي محيسن أنه يضع ضمن ميزانيته السنوية فقدان كميات هائلة من العينات الموجودة في دورات المياه، ولكنه لا يستطيع إلا أن يوفرها للنزيل يومياً كلما غابت عن المكان المخصص لها بمعدل مرة أو مرتين يومياً، مشيرا إلى أن المشكلة عندما يأتي من يأخذ المناشف والصحون وجميع أدوات السفرة الأخرى كالملاعق والشوك والسكاكين والملاحات، وحتى الدولاب المخصص لوضع الأشياء ساخنة بداخله.

وأضاف أنه في حالة فقدان منشفة لا يواجه الزبون، لكنه يسجلها في كشف حسابه عندما يتسلم فاتورته.

ويقول المحيسن: ذات مرة اكتشف النزيل إضافة 50 ريالاً فسأل عن السبب، وعندما أبلغته عن المنشفة، قال نعم لقد نسيتها في حقيبة سفري، ومرة أخرى، اكتشفنا ضياع جميع أدوات السفرة، بعد مغادرة النزيل، فأبلغت الشرطة للقبض عليه حتى ألقنه درساً لا ينساه، ووجدنا أن الرجل ينتمي لأسرة كبيرة وأنه يعاني من مرض السرقة".

ويؤكد مدير المبيعات في أحد فنادق جدة أن الفندق ملزم بأن يوفر هذه المنتجات الاستهلاكية في الغرفة وإعادة توزيعها كلما رأى العامل أنها منتهية أو غير موجودة في مكانها.

وأضاف "نحن لا نتمكن من تفتيش الضيف، ولا الاستفسار منه عن عدم وجودها، لهذا نضطر إلى جلبها له باستمرار كلما وجدنا أنها غير موجودة، أو متوافرة في مكانها، ونعد هذه من التكاليف التي توضع في حساباتنا".

بدوره، أوضح الاستشاري النفسي والاجتماعي الدكتور حاتم الغامدي أن "هذا التصرف نوع من الأنماط السلوكية المتعارف عليها في مجتمعاتنا السعودية والعربية عموماً، حيث يشعر الزبون أنه يدفع سعرا مرتفعا في الغرفة المستأجرة في الفندق، فيحدث نفسه بأنه يجب أن يأخذ شيئاً في المقابل، ويعتبر أن ذلك حق من حقوقه طالما نزل في الفندق وسدد الفاتورة المطلوبة".

ويضيف أن "البعض من الناس يأخذ العينات ليبين للآخرين عندما يعود إلى الوطن بأنه سافر إلى البلد الفلاني، وسكن في الفندق الفاخر، وهي من مظاهر الشخصية الاستعراضية، والبعض الآخر يريد أن يحتفظ بهذه العينات للذكرى".

ويشير الدكتور الغامدي إلى أن "المتداول في مجتمعاتنا أنه إذا وجد شخص قلماً ملقى في الشارع يأخذه معتبراً أن هذا من حقه، طالما هو وجده بالصدفة، وليس له صاحب، مع أنه من المفروض أن يسلمه لأقرب مركز شرطة، لكننا لم نعتد على ثقافة حق الآخر، وهذا ما يدركه الفندق تماماً، فهو يضع في حسبانه أن الناس ستأخذ ما هو متداول أمامها، ويسهل حمله، لأن هذا يدخل ضمن سلوكيات كثير من البشر، ويعتبرونها من حقوقهم".

وأوضح أن "إدارة الفندق لا تستطيع أن تطالب النزيل بأشياء بسيطة، فيعدها نوعاً من الدعاية والإعلان له، ولهذا يحسبها ضمن تكاليفه العامة، ولكن هناك من يستولي على أشياء كبيرة ومكلفة كروب الحمام أو المناشف، لهذا عمدت بعض إدارات الفنادق إلى التنويه في داخل الغرف للزبون بأن هذه الأشياء متوافرة للبيع إذا أراد الاحتفاط بها، ولهذا يتم (التشييك) على الغرفة عند مغادرة الزبون".