عاد أحمد من أمريكا مع أسرته الصغيرة المكونة من زوجته وطفله من أربعة أشهر خلت، وحلم العودة إلى الوطن ظل رفيقه طوال مدة دراسته لماجستير المحاسبة في الولايات المتحدة الأمريكية حتى حصل على الشهادة بتقدير امتياز. عاد محملا بأحلامه بالعمل والاستقرار وتوفير حياة كريمة لأسرته! وتمضي الأيام وأحمد عاطل عن العمل رغم تقديمه في عدد من الجهات، ورغم سيرته الذاتية المشرفة، والشهادة – الكبيرة – التي يحملها! متخرج ماجستير آخر من أمريكا عاد ولم يجد عملا إلا بعد مضي سنة كاملة وبعد أن خضع للكثير من التنازلات وبعد أن تقلب على جمار الحاجة الماسة للعمل والخيبة والإحباط! خريجة ماجستير أيضا ظلت تغزل أيامها ولياليها بالملل والإحساس باللاجدوى ردحا طويلا من الزمن حتى نالت المنى وتوظفت، فيما لا تزال العشرات غيرها من خريجات الدراسات العليا من حملة الماجستير والدكتواره ينمن ويستيقظن على حلم الوظيفة الذي يبدو أنه عصي على التحقيق! والحالات كثيرة ومتعددة من حاملات شهادة الماجستير والدكتواره من النساء، والتي تدحض نفي وزارة العمل لعدم وجود عاطلات من حملة الدكتواره!

يعود هذا العام خمسة آلاف مبتعث إلى أرض الوطن كما صرح معالي وزير التعليم العالي الدكتور خالد العنقري لصحيفة "عكاظ" الأحد الماضي، فيما تعمل الوزارة حاليا على تعريف سوق العمل بالخريجين وتخصصاتهم العلمية. واليوم فقط وبعد عودة خمسة آلاف مرشح للبطالة والتسكع على أرصفة البحث المضني عن عمل، تستيقظ الوزارة لتفكر بأخذ مرئيات مجتمع الأعمال في التخصصات والبرامج التي يتطلعون لها من برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث – كما أورد الخبر! ولا أدري لماذا لم تسبق المرئيات والتخطيطات والاستراتجيات برنامج الابتعاث قبل إطلاق شرارته الأولى؟! وهل كان الابتعاث يتم عشوائيا ودون مرئيات من سوق العمل ودون دراسات مسبقة للحقول والمجالات التي ستستوعب جحافل المبتعثين والمبتعثات عند عودتهم؟! وهل يجب أن تبرز المشاكل على السطح أولا حتى نفكر في إيجاد الحلول لها؟! والسؤال الأهم ألن يفضل المبتعث الاستقرار والمعيشة حيث درس موليا ظهره لوطنه إذا ما عرضت عليه وظيفة جيدة هناك، بدلا من العودة وما فيها من احتمالات للبطالة والبقاء فترة طويلة دون عمل يكفل الكرامة ويقي ذل الحاجة؟! نعم لا توجد جامعة تضمن وظائف للخريجين -كما يقول معالي الوزير-، ولكن هناك خطط واستراتيجيات كان يجب أن تقوم بها الوزارة قبل الابتعاث، لتضمن سرعة احتضان سوق العمل للعائدين!

حلمنا كثيرا بتنكوقراط الألفية الثالثة الذين سيعودون بثقافة جديدة تتلاقح مع ثقافة الآخر وتكون علاقة جدلية معه قائمة على الانتخاب والانتقاء، وتخلع عنها أردية التخلف والموروث المتحجر، وتتبنى المنهج العلمي، لتقود عملية التنمية وتساهم في إعادة رسم الخريطة الثقافية والاجتماعية في المملكة، وكل ما أخشاه أن يفضل التكنوقراط الجدد البقاء حيث يجدون الأمن الوظيفي والكرامة، فالفقر في الوطن غربة!