تأخرتُ قليلاً عن الكتابة حول – أنشودة المطر – التي ضربت مدينة الرياض، وأنا الذي سحبتُ قلمي مسرعاً عندما كانت ذات السحابة تضرب مدينة جدة. وفوجئتُ بالأمس بتعليق أحد قرائي على ذات مقالي، الأمس، على صحيفة – إيلاف – وهو يتهمني بازدواجية المعايير والكيل بمكيالين، ثم يختم بوصفي حسب المثل الشعري الشهير: أسد على الهيئة وفي الحروب...، ولكم أن تكملوا بقية الوصف.
أولاً، فبمراجعة الأرشيف، اكتشفتُ أنني كتبت عن كارثة جدة في اليوم الرابع، فيما غداً هو اليوم السادس لقصة ذات السحابة في الرياض.
ثانياً، إن كارثة جدة أودت بعشرات القتلى وكشفت عن أوكار الخلل والفساد ، ولهذا كانت ذروة المأساة تستلزم لجنة ملكية عليا وبأمر سيادي، فيما لم تخلف قصة الرياض حادثة وفاة واحدة بسبب مباشر من سحابة المطر الثقيلة . وهنا لن أجامل إن قلتُ إنني أشعر بالخجل حين نواجه الحقائق أن مدننا ترتعد فرائصها من مرور غيمة شاردة. ولكن: ما هو الفارق الإداري في استقبال الحقائق بين أمانتين: الفارق أن ابن عياف، أمين الرياض لم يتلوّن ولم يتجمّل بل ظهر مواجهاً للموقف بكل شجاعة ، مُعترفاً أن بنية المدينة قد تذوب لو أن الغيمة طالت لساعة إضافية. لم يتخلّ ابن عياف عن المسؤولية، بل اعترف أن ثلثي المدينة العزيزة لا يخضعان لنظام كفء لصرف السيول. وفوق هذا وضع نفسه في دائرة المسؤولية الكاملة، حتى وهو يتحدث عن رفض وزارة المالية تمويل البنية التحتية إلا بأقل من 15% من المطلوب. ولكن مرة أخرى: لم يسأل أحد هذه الوزارة عن اعتمادها تمويل عشرات المشاريع وبنائها كل هذه المدن ، ثم تبخل عليها بالأهم في تمويل البنى التحتية. وفي المقابل واجهت أمانة جدة كارثتها بالتبرير، ثم تلكأت في اتخاذ القرار الصحيح بحق كتائب المسؤولين وبقيت تتفرج إلى أن جاءت لجنة التحقيق لتسحبهم من المكاتب تحت أعين آخر من يعلم.
في الرياض، عادت الأمور لوضعها الطبيعي تماماً بعد أربعين ساعة من الغيمة. ولهذا سأعترف أنني أكره تهويل الأمور، وسأتحمّل طبيعة تفسير إحجامي أمامكم، وأنا الذي لم أتأخر من قبل عن قضية رأي عام. ومن قبل حجزني المطر ليوم كامل في برشلونة وشاهدتُ كوارثه في دنفر ولندن وكوالالمبور ودبي: كل المدن تستسلم بشكل أو بآخر ، وبطريقة نسبية أمام سحائب المطر: المهم أن يكون المسؤول شجاعاً على قدر المسؤولية. سأظل واثقاً أن بناء مدينة مثل الرياض سيظل على الدوام فخراً لقصة نجاح سعودية مُذهلة. ومادامت هذه – الرياض – في أمانة سلمان بن عبدالعزيز فأنا واثق أن أنشودة المطر تحت السيطرة. إنها – دالاس – السعودية.