يأتي إلى الدوام وهو يتلفت ويمشي رويداً ثم يتوقف. يكلم هذا وينادي ذاك، ويدخل إلى مكتبه وهو يتنهد ويزمجر ويتشكى. وفور وصوله يسرع للجلوس على كرسيه، فقد أتعبه المشي من مواقف السيارات لمكتبه. كيف لا وقد مشى مئات الأمتار، ويدعي أنه مريض ومكسر وطفشان وعنده ظروف ومشاكل، وبعد تناول طعام الإفطار وشرب الشاي ينسى أنه قد ادعى المرض فتراه يكثر الضحك والمزاح لأن هذا شيء يسرق الدقائق والساعات، ويكثر من طلب الشاي في الساعة بضع مرات. وقد سرق من الوقت على مائدة الإفطار، تسمعه يخوض في الترقيات والعلاوات والمناصب ويبحث عن كل خبر في هذا الموضوع ويسأل عن كل جديد. وربما لا ينهي معاملة واحدة في الأسبوع ، وإذا جاء إليه أحد المراجعين تعالى عليه وتجبر، فيسرع بقلب أوراق الملف aفي ورقة أو توقيعا أو معلومة ليبادر برمي تلك المعاملة جانباً ويوجه اهتمامه بالانشغال بالرد على جواله، ولا يفيق من انشغاله بمكالمته إلا عندما يباغته ذلك المراجع سائلاً له: ايش المطلوب مني؟ عندها يفكر ملياً ويجمع بعض معلوماته التي حفظها حين تم تعيينه ليمليها عليه. مع أن تلك الطلبات والشروط قد أكل عليها الدهر وشرب. لكنها ما زالت راسخة في ذهنه منذ سنواته بل أيامه الأولى من توظيفه، ثم يكثر هذا الموظف على ذاك المراجع من تلك الطلبات متمنياً ألا يعود إليه، ثم يوجه إليه نبالاً من الأسئلة الغريبة تتخللها سوالف عن حياته الشخصية ليقال عنه نِعم الموظف يعطي وجها ويهتم بالمراجع. لكن هدفه تضييع الوقت والانشغال عن المعاملات التي أمامه بحجة أنه اهتم بأحد المراجعين.