بصلافة بل بجلافة شديدة سألت الفنان العالمي عمر الشريف عنما التقيته في جدة: هل زرت مكة وأديت العمرة؟ كان ذلك قبل نحو عشرين عاما في بيت القزاز للعطور، إذ جاء الرجل في مهمة عاجلة لم تستغرق سوى سويعات لتدشين العطر المسمى باسمه. والحق أن السؤال ـ على مشروعيته ـ لم يكن مناسبا للموقف وللمناسبة التي جاء من أجلها الرجل, ثم إن تأدية العمرة أو عدم تأديتها مسألة شخصية محضة وإن كان المؤدي لها في تلك الحالة هو عمر الشريف.
كنت حينها عائدا لتوي من جولة صحفية شملت جنوب السودان واليمن وباكستان ثم أفغانستان, وكان جواز سفري أيامها ـ أيام الدعوة لمناصرة المجاهدين في أفغانستان وجنوب السودان والبوسنة والهرسك ـ يدعو للعجب العجاب.
والحق أن الداعين لي لمناسبة الاحتفاء بعمر الشريف لم يستضيفوني كي أسأله عن مدى تدينه أو تمسكه بهويته المصرية ودينه الإسلامي, أو عن الموقف في بيشاور وزغرب, فضلا عن أن الأسئلة المطروحة كلها كانت تدور في شقها الفني عن لورانس العرب ودكتور زيفاجو وصوفيا لورين, وفي شقها الاجتماعي عن زوجته فاتن حمامة وابنه طارق وحفيده الجديد, وفي شقها المحلي عن رأيه في جدة التي يراها لأول مرة.
كان تراب المعارك الأفغانية والسودانية والبوسنية ما زال عالقا بأوراقي وبجهاز الكاسيت الخاص بي.. واندفعت بوجه مكفهر وبصوت عال، وأظنه كان منفرا للبعض ، لأسأل الفنان المتواضع ـ الذي كان يجيب على أسئلة الحاضرين برقة ـ وأنا أكاد أصرخ: هل زرت مكة وأديت العمرة؟ وبأدب جم رد الرجل شارحا كيف أن وقته للأسف لم يسمح وكيف أنه سيتركنا بعد دقائق للعودة إلى فينسيا حيث يوجد لديه ارتباط عالمي.
تذكرت ذلك وأنا أتابع حلقات عمر الشريف التي تبث حاليا على القناة المصرية والتي يؤكد فيها الرجل تمسكه بجنسيته ورفضه القاطع للممارسات الصهيونية في الأرض المحتلة, وانتقاده الشديد لنفسه فنيا واجتماعيا. وكلما جاء الحديث عن أصعب المواقف التي تعرض لها, سألت نفسي عن قيم صحفية وإنسانية كثيرا ما تغيب عنا في غمرة الحماس.