هل نحن مضطرون للانتظار حتى تحدث الفواجع والكوارث وتغرق المدن والقرى ويحل الدمار بالمنازل والمتاجر وتتحول الطرقات والأراضي الفضاء والحفر إلى بحيرات عظيمة ومستنقعات ومصائد تلتهم البشر والمركبات... وتتسع دوائر الإهمال والتسيب والغش واستغلال السلطة؟ ما الذي يمنعنا أن نبادر إلى إدارة الأزمات قبل وقوعها كي لا تتحول مؤسساتنا الحكومية إلى إدارات للكوارث للتخفيف من آثارها المدمرة قدر المستطاع وبحدود المتاح؟ فجعتنا كارثة سيول جدة بعشرات الضحايا لكنها كشفت للملأ ركام الفساد المتعاظم مع مرور الأيام وأزاحت الستار عن شلة المفسدين الذين منحوا ضمائرهم إجازات مفتوحة في وقت غاب فيه الرقيب والحسيب.. أما المتضررون والمنكوبون فلم يكن بأيديهم حيلة سوى انتظار مكرمة ملكية أو صدقات جارية من المحسنين أو استجداء للموسرين. ثم ضربتنا سيول الرياض على حين غرة.. دقائق معدودة كانت كافية لكشف المستور وفضح وضع التخطيط والتمويل وتهالك شبكات الصرف وضعف حيلة المواطنين.. صحيح أن آثار سيول الرياض كانت أخف بسبب وجود الهيئة العليا لتطوير الرياض لكن السيول أظهرت عوار تنفيذ بعض المشروعات أو المخططات وعدم قيام بعض المهندسين بالإشراف الصارم أثناء التنفيذ أو الاستلام !!
أحداث السيول لم تكن وحدها المفاجآت التي صعقتنا ، فعدد من المشروعات في مختلف المناطق ظهر أنها "سلق بيض" - كناية عن الرداءة في التصميم والسرعة في التنفيذ – شواهد أيضا على الافتقار للرؤية والذي لا يحتاج إلى دليل..علاوة على آلاف الوظائف التي لم تشغل ولا يعرف مصيرها.. والأوجاع المزمنة والميؤوس منها والمتمثلة في التسيب والسلبية واللامبالاة والبيروقراطية.. ونتاج الواسطات والمحسوبيات وانعدام المعايير وتعيين غير الأكفاء والغش والتزوير.
إنشاء وزارة للرقابة والمحاسبة تضم تحت مظلتها جميع الهيئات الرقابية وأجهزة التحقيق والمحاسبة ومنحها صلاحيات واسعة لمراقبة جميع الأعمال ومعاقبة المقصرين والمختلسين ولصوص المكاتب المغلقة وتركها تعمل وفق المعايير الدقيقة لا معايير الهوى هو الحل، بالإضافة إلى منح مجلس الشورى أدوارا رقابية أوسع مع تعزيز الدور النقدي للصحافة. كل هذا يجعل القائمين على المشروعات يرتقون بمسؤولياتهم و يعطون اهتماما أكبر بواجباتهم .