إن معالجة ظاهرة العنف الأسري تبدو كما لو أنها من الشق الأمني فقط، ولكن بالرغم من أهميته إلا أننا يجب أن نوضح ونؤكد أن واجب الحماية من العنف الأسري واجب ومسؤولية على جميع مؤسسات الدولة وسلطاتها وبالتضامن مع القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني فهو واجب على جميع مؤسسات الدولة والمجتمع من خلال المدارس بوزارة التربية والتعليم والجامعات والكليات بوزارة التعليم العالي، والقطاع الصحي بوزارة الصحة، ومنابر المساجد في خطب الجمعة بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف، والوسائل الإعلامية كافة بوزارة الثقافة والإعلام، وإدارات الحماية الاجتماعية بوزارة الشؤون الاجتماعية، وحتى العمل الخيري والتطوعي عليه أن يراجع بعض برامجه المخصصة لتزويج الشباب غير القادر على إعالة الأسرة وغير القادر على الباءة التي هي أساس الزواج. ولا ننسى دور الجهات الحقوقية وواجباتها ومسؤولياتها والقضاء بوزارة العدل وضرورة تحسين وتسريع إصدار الأحكام التي تأتي لصالح الأسرة والمرأة والطفل دون تأخير مضر يضر بالعدالة المنشودة، بل حتى مجلس الشورى عليه العمل على إيجاد قانون جنائي عام يحدد ويصنف الجرائم التي تشمل الأعمال والتصرفات التي تأتي في سياق العنف الأسري.

ففيما يخص الجهات الأمنية فإننا نوصي بما يلي:

1. إنشاء أقسام خاصة بالأسرة والأحوال الشخصية تعادل في اختصاصها ما ستكون عليه محكمة الأسرة والأحوال الشخصية، التي ستنشأ قريباً ضمن مشروع خادم الحرمين الشريفين لتطوير مرفق القضاء وديوان المظالم، على أن تحتوي على قوة نسائية مؤهلة ومدربة تعمل في إمارات المناطق وتكون لديها كامل وجميع الإمكانيات الضرورية واللازمة للقيام بواجباتها على أكمل وجه.

2. استكمال إجراءات الضبط والإحالة إلى هيئة التحقيق والادعاء العام في جميع القضايا وعدم حفظها حتى في حال تنازل من وقع عليه العنف على اعتبار أنها جريمة حق عام ضد المجتمع مع التعامل الوقائي والجنائي بالمفهوم الشامل للعنف.

3 . تنظيم حملة تثقيفية شاملة لجميع ضباط وأفراد الأمن العام عن العنف الأسري ومدى خطورته على المجتمع وأمنه وسلامته بما يساعد على رفع درجة الاهتمام إلى درجة عالية بأولوية التصدي لقضايا العنف الأسري.

4. المشاركة في تنظيم حملة توعية عن دور الجهات الأمنية في التصدي للعنف الأسري تقدم في جميع المدارس والجامعات والكليات والمستشفيات الحكومية والخاصة.

أما فيما يخص هيئة التحقيق والادعاء العام، فإن الدعوى وبصرف النظر عن الدائرة المنظورة أمامها وفق الاختصاص فإن أسلوب عملها في قضايا الأسرة يشوبه الكثير من الخلل والتراخي في معاقبه الممارس للعنف من خلال تباعد المواعيد وتأجيل جلسات التحقيق وعدم القدرة على توكيل المحامي وعزل المرأة، ناهيك عن نظرة الريبة والشك ودفعها على صلح وهمي يتجسد بالتنازل عن القضية وهذا عنف يمارس أحيانا ضد المرأة من جهاز التحقيق والادعاء العام، والمطلوب هو معاملة قضايا العنف العائلي على وجه السرعة يتضمن حماية من وقع عليه العنف وخاصة المرأة وطفلها وأسرتها وتوفير السكن والإعاشة إن طلبت ذلك مع توفير الدعم القانوني. وقد يكون حفظ الدعوى مكافأة للمعتدي على من وقع عليه العنف حيث الأصل معاقبته للاعتداء على الغير، فمن أمن العقوبة أساء الأدب واستمر في عنفه واغتصابه لحقوق أسرته والآخرين وهو ما يخالف الشرع والقانون والمنطق العقلي السليم.

وما أوردناه من توصيات للجهات الأمنية (الشرطة) ينطبق في معظمه على هيئة التحقيق والادعاء العام.

أما فيما يخص القضاء، فالكل يعلم المشاكل الأساسية في القضاء بشكل عام من تأخر في القضايا وتأجيل الجلسات التي تصل إلى عدة أشهر في بعض القضايا وتصاب بالشلل عند غياب القاضي أو غياب الخصوم أو نقل القاضي لمحكمة أخرى، وبالنسبة للمرأة فهناك مشاكل خاصة بالوكيل والمحرم وإثبات الهوية بما يجعلها في قضايا الطلاق والحضانة والنفقة أمام عنف وليها أو زوجها أو طليقها بالإضافة إلى عوزها وحاجتها للاحتضان من قبل المجتمع ومؤسساته وقضائه. ولذلك نوصي القضاء فيما يخص قضايا الأسرة والأحوال الشخصية بما يلي:

1. أن يتدخل رؤساء المحاكم في قبول وتحديد موعد الجلسة الأولى لكل قضية خلال أسبوع واحد كحد أقصى من تاريخ تقديم الدعوى عوضاً من الانتظار بضعة أشهر.

2. أن يعامل القضاة جميع قضايا الأسرة والأحوال الشخصية بصفة عاجلة حتى لا تتعدى المهلة من جلسة إلى أخرى الأسبوع الواحد كحد أقصى.

3. عدم استجابة القضاة لكل محاولات التأجيل أو المماطلة من قبل الزوج أو الولي بعقد الجلسات وإصدار الأحكام خاصة التي تتعلق بالحضانة والنفقة.

4. أن يتعامل القاضي في القضية بالمفهوم الشامل للحرص على المرأة وأطفالها وحقوق الأسرة، فيتأكد من خضوعها للحماية الأمنية بالتنسيق مع شرطة المحكمة ودور الحماية بالشؤون الاجتماعية ووجود مكان لسكنها وأن يطلب لها من قاضي التنفيذ الأمر العاجل بحكم النفقة الذي يجب أن يكون عادلاً ومنصفاً ويحكم لها على أقوالها وعلى زوجها إثبات العكس إن استطاع.

5. أما بالنسبة لصك طلاقها فيجب أن يحتوي على كل ما يخص الأسرة والمطلقة وتوضح فيه الحقوق والواجبات بحيث يذكر أسماء الأبناء وأعمارهم وحق الحضانة ومبالغ النفقة ومؤخر الصداق إن وجد وأن تسلم المطلقة أو وكيلها أو وليها أصلا للصك لتحتفظ به. ويضاف إلى ما سبق خاصة بعد إنشاء محاكم الأسرة والأحوال الشخصية أن تكون مباني هذه المحاكم مهيأة لاستقبال السيدات والأطفال وأن يكون هناك أخصائيات اجتماعيات للمتابعة وإعداد التقارير الاجتماعية لتقديم كل العون للقضاء في المحاكم المتخصصة خاصة المتعلقة بالأسرة والأحوال الشخصية، وأن تكون هناك رعاية قد تصل من وجهة نظري إلى تقديم عون مادي مقابل كل جلسة محاكمة لتعينها على مصاريف التنقل وأن يحكم لها بالمعونة القضائية - في توكيل محامي أو محامية - تخصم وتحمل على نفقة زوجها أو وليها.

ولعلي هنا أحيل إلى مقال الأخ الشيخ أحمد بن عبد العزيز بن باز في "الوطن" عدد الجمعة 7 مايو 2010، بعنوان "ماذا صنعنا؟". للتدليل على ما أقول.

وفي الختام فإنني أطالب أهل العلم والعلماء وخبراء القانون بإعادة النظر في موضوع زواج القاصرات، وسن الحضانة للطفل أو الطفلة، وحقهم في اختيار الأصلح من الأبوين للعيش معه، وعزل الأب عن ولايته الجائرة من سوء عشرة أو معاملة مع الأبناء وتسليمهم للأم وأن يصار إلى توضيح مفهوم القوامة وحدودها وفق أصول الشريعة وليس بما تحكمه العادات والتقاليد.