رغم هدوء يوم الجمعة في الرياض الذي تخلو معه الشوارع من الازدحام المروري وينخفض "الصخب" في كل الأحياء وفي مقرّات الموظّفين، إلا أن العكس تماما يحدث في "حي البطحاء" وسط العاصمة في مشهد أسبوعي، فحينما تزور هذا الحي ستجد نفسك بين عشرات الآلاف من العمالة غالبيتهم من مدن شرق آسيا؛ حيث لن تجد موطئ قدم في طرقات وشوارع وممرات المنطقة المركزية وسط الحي الذي يغص بالعمالة.

واعتادت هذه العمالة الاستفادة من عطلتها الأسبوعية، والتجمع هناك للقاء بعضهم وتنفيذ الحوالات البنكيّة في المصارف التي تعمل في يوم الجمعة خصيصا لهم، إلى جانب شراء حاجياتهم التي قد لا تتوفر إلا في البطحاء، فيما يرتادها آخرون لممارسة مخالفات أمنيّة وسلوكيات غير مشروعة كما كشفتها الحملات الأمنية التي قامت بها الجهات الأمنيّة وأعلنتها في أوقات سابقة ضمن حملاتها المستمرّة في أحياء العاصمة.

ممرات ضيقة

"الوطن" دخلت في عمق الحي يوم الجمعة قبيل العصر وهو ذروة اكتظاظ الحي بالعمالة، وبعد الدوران عدة مرات حول المنطقة المركزيّة وسط تكدّس السيارات المختنقة مروريا وجدنا أخيرا موقفا للسيارة، لتبدأ الرحلة سيرا على الأقدام وحينها اصطدمنا بممرات ضيّقة تغص بالعمالة وبـ "بسطات" يباع فيها "كل شيء" من ملابس وأجهزة إلكترونية وعطورات ومواد غذائية وإكسسوارات" والعديد من المنتجات والأدوات الغريبة التي لا توجد إلا في هذه المنطقة عبر استيرادها من البلد الأم لهذه العمالة منها مأكولات و"دخان" وصحف ومجلات لا يمكن أن تجدها إلا هناك.

ويلفت النظر أن غالبية العمالة من الجنسيات الهنديّة والباكستانية والبنغالية، ثم تليها الأفغانيّة والفلبينية، وتنخفض بشكل لافت الجنسيات العربية، فيما يبدو من يرتدي الزي السعودي "الثوب" وسط هذه الأعداد الكبيرة من البشر غريبا، تلاحقه نظرات بعض العمالة الذين قد يكون من بينهم مخالفون لنظام الإقامة أو مطلوبون في قضايا أمنيّة؛ وبالتالي يتوجّسون من أي سعودي يوجد في الموقع؛ حيث يعتبر وجوده غريبا باستثناء "الكدادة" الذين يجدون في الموقع فرصة كبيرة لتحميل سياراتهم ونقل العمالة من وإلى البطحاء.

تدني مستوى النظافة

ويضطر المرتاد للموقع لتغطية أنفه لما يجد من روائح كريهة منبعثة من سوء نظافة العمالة ومن بقايا مخلفات الأكل والشرب؛ حيث لا يترددون في رمي مخلفاتهم كيفما اتفق، كما يلاحظ الإزعاج الكبير لسيارات النقل خاصة "باصات خط البلدة" وسيارات الأجرة التي تقف في طوابير طويلة وسط ازدحام مروري كبير يعرقل حركة السير ويتسبب في حوادث مرورية ومشاجرات معتادة بين قائدي السيارات.

في حين تكتظ الأرصفة والجسور والمحلات بالعمالة، حتى أن لوحات المحلات التجارية والملصقات الورقيّة تتحدّث بلغاتهم، وغالبية البضائع تستهدفهم.

وقال العامل غلام مرتضى إن يوم الجمعة من كل أسبوع هو العطلة الرسميّة للشركات التي توجد غالبيتها في المنطقة المركزيّة للبطحاء، واعتادت العمالة على الحضور من كل أحياء العاصمة للالتقاء هناك للحديث مع بعضهم وشراء حاجياتهم التي تستورد من بلدانهم، كما يقومون بإجراء الحوالات البنكيّة لرواتبهم في البنوك العاملة على مدار الساعة، لافتا إلى أنه رغم ازدحام المكان وسوء نظافته إلا أن الكثير من العمالة يعتبرونه موقعا للتنزّه وقضاء عطلتهم في التسوّق والجلوس ساعات طويلة، حيث لا يغادرون الموقع إلا ليلا، ولم يستبعد مرتضى وجود الكثير من العمالة المخالفين للإقامة وممن يمارسون بعض السلوكيات غير المشروعة بدليل اكتشاف قضايا عديدة لهذه العمالة أثناء الحملات الأمنية التي تتم في الحي.

منتجات آسيوية

وأشار العامل محمد أمين إلى أن هناك الكثير من المنتجات التي تستورد من بلدان شرق آسيا ولا توجد إلا في أسواق البطحاء وتباع بأسعار معقولة كما هو حال غالبية بضائع السوق التي تفتقد للجودة، وبالتالي تكون في متناول القدرة الشرائية للعمالة مما يدفعهم للتردد أسبوعيا للشراء.

واقترح المواطن عبدالله الحربي أن تتم إعادة النظر في حي البطحاء للحد من هذه التجمّعات البشريّة الكبيرة التي يتخللها مخالفات أمنية وسلوكيّة عديدة، كما اقترح تنظيم شوارع الحي خاصة المنطقة المركزيّة للحد من الاختناقات المرورية الكبيرة التي تضايق سكان وزوار الحي، لافتا إلى أن من يدخل الحي يجد صعوبة بالغة في الخروج منه لضيق شوارعه واكتظاظها بشريا ومروريا.