نشأت سفسطتهم ـ هنااااك بعيييد ـ قبل الميلاد بخمسة قرون، على يد مجموعة من الـ"سوفيتيس" أي: المعلِّمين ـ ولم يكن عندهم "محاشي"، ولا "أنصافهم"، ولا "بنود"، ولا"شهيدات واجب" ـ بهدف تدريب "العقل" على إثارة الأسئلة، وتحفيز غريزة التفكير لدى كل الناس، فوضعوا كل شيء على مائدة الشك والنقاش، من: أيهما الأسبق/ البيضة أم الدجاجة؟ إلى "حسبنا الله على الديك"!
أما سفسطتنا فأول شروطها، وآخرها، و"النص نص" هو: إلغاء العقل من "تلافيفه" إلغاءً لاهوادة فيه، ولاتطريز ولاتخريم!
وقد امتلأت كتب التراث بعشرات "الفتاوى"، التي لايمكن أن تناقشها إلا بعد أن تخلع جمجمتك، وتقشِّر فيها "الفصفص" وأنت تتابع "بعض" برامج الإفتاء "الفضواتية"! فمثلاً: يجمع الفقهاء على أن خروج الريح ـ أكرمكنكم الله ـ ينقض الوضوء! ولكن: ماذا لو أن رجلاً حمل على كتفه "قربةً" مملوءة بالريح ـ أكرمكنكم الله ـ وهو متوضِّئ، فماحكمه؟ في ذلك "تفصيلٌ" يستغرق صفحاتٍ طويلة، فالقضية خطيرةٌ جداً، ولايجوز كتم العلم فيها، ولا أحد ـ في النهاية ـ ينفخ في قربةٍ مقطوعة!!
وصدقوا أو لاتصدقوا: أن مثل هذه القضية تناقش في المسجد نفسه، الذي يقتل إمامه الحاكم/ "عبدالله بن موسى بن نصير" وهو يصلي بالناس الفجر، ويحزُّ رأسه ويرسل إلى "دمشق"، حيث يحاكم فيها "والده" مكافأةً على فتح "الأندلس"! وما سبب القتل؟ لأنه تزوج بنصرانيةٍ، ولا مانع من ذلك بنص القرآن العظيم، ولكن ـ قياساً على القربة المنفوخة ـ ثبت أنها هي التي تجهز ملابسه للصلاة، وهي "نجس"؟!
وما فتوى "إرضاع الكبير" إلا بعثٌ لهذه السفسطةِ العربية العريقة، سواء النسخة "المصراوية"، المعتمدة على أن الرضاعة هي: مجرد إلقام الثدي، درَّ الحليب أم لم يدر! أو النسخة "السعودية"، المعتمدة على أنها "شرب الحليب"، ولكن ليس من الثدي مباشرة بالنسبة للكبير، وإنما تحلب الكفيلة لسائقها ليصبح ابنها! وبناءً عليه يسقط حقه في الراتب! ولكن يحق له مطالبتها بسيارة جديدة فخمة، فكل "الأمهات" يكافئن أولادهن بذلك! وليس هو وحسب، فـ"البعارين"، و"الثيران"، و"الخرفان"، و"التيوس" أحق منه، إذ أمهاتها هنَّ "حلوات اللبن"! وأحلى منهن: "أم الأجيال"/ "نيدو"!