الجمعة الماضية كنت ضيفاً على زميلنا تركي الدخيل في برنامجه المعروف (إضاءات) على قناة العربية، وقد كان أحد محاور اللقاء قضية الخادمات السعوديات، وقد كان موقفي واضحاً من قضية أن تصبح المرأة السعودية خادمة هو ما أرفضه تماماً، ذلك أن فرصاً للعمل كثيرة لم يفتح مجالها للمرأة السعودية، وقد ضربت مثالاً على قضية فتح المحلات التجارية للنساء للملابس النسائية والتي تمت معارضتها بشدة من قبل خطاب تقليدي رفض فرصة عمل قوية للمرأة، مما يمكن أن يضطر المرأة السعودية إلى القبول بعمل خادمة فيما بعد. وقد نشرت الصحف قبل فترة طويلة خبراً حول قيام سعوديات بالعمل خادمات في بعض البيوت القطرية مما استفز الرأي العام وقتها ومعهم حق في ذلك، كون دولة نفطية صار بعض نسائها خادمات، في حين كان من المفترض أن تكون فرص العمل أكثر وأكثر، كما طالبت في الحلقة أن تفتح مجالات عمل كثيرة للمرأة ولتكن مثلا سكرتيرة أو غيرها قبل أن تنحصر وظائف المرأة في جانب أو جانبين يجعل بعض النساء يضطررن إلى قبول عمل الخادمة سداً للحاجة الاقتصادية.
   هذا الكلام بتفصيله هنا لم يفهم جيداً، بل فهم على عكس ما طرحته في الحلقة تماماً في بعض وسائل الإعلام للإثارة الصحفية ربما، بحيث تم ابتسار الكلام من سياقه كلياً، وتم التركيز على مسألة قبولي عمل الخادمة بوصفه عملاً شريفاً يكفي المرأة ذل السؤال فقط، وتم تجاهل كل ما قلته حول رفضي عمل السعودية خادمة لإمكانية فتح المجال أوسع للمرأة السعودية في وظائف أخرى، حتى إذا فتحت جميع الوظائف للمرأة السعودية ولم تجد بعد ذلك أي فرصة عمل فيمكنها حين ذلك أن تزاول مهنة الخدم كونها مهنة من ضمن الأعمال الشريفة مهما قلنا عنها.
   لقد كتبت في مقال سابق بعنوان (قبل أن تصبح نساؤنا خادمات) ما نصه: " ...إننا وللأسف حينما أردنا أن نفتح فرصا كثيرة للمرأة السعودية  قلنا بوظيفة الخادمة ونجادل في قبول ذلك من عدمه ويقبل المجتمع ذلك وبعضهم لا يقبله كأي فكرة جديدة، في حين أن هناك الكثير من الأعمال التي لم تستطع المرأة الولوج إليها. أنا لا أعترض أبداً على كون المرأة السعودية تشتغل خادمة بل هي فرصة عمل كبيرة جدا تفتح مجالا جيدا للعمل الشريف يعفها من ذلك السؤال ، بل إنني أقول إنه حتى يمكن للرجل أن يصبح عاملا أو خادما ، حاله كحال أي رجل في هذا العالم حينما لا يجد فرصة عمل إلا عمل الخادم، لكن اعتراضي هنا ناتج عن كوننا نقفل أبواب العمل الأخرى أمام المرأة السعودية في أماكن حيوية كثيرة جدا تحقق للمرأة ذاتها مما يضطرها في الأخير إلى أن تعمل خادمة. أو ليس من الجيد قبل ذلك أن نفتح فرص العمل الأخرى كعمل المرأة في السوق مثلا والذي وقفنا ضده أشد الوقوف قبل أن نقول بعمل الخادمة...؟"
   إن هذا الكلام بهذا المعنى الذي حاولت تأصيله هنا وطرحته في الحلقة لم يرد له أن يكون بهذا الوضوح في بعض وسائل الإعلام إما جهلاً أو عمداً، وتم ابتساره حتى قال بالنقيض مما كنت أطرحه. نعم ، شخصياً مازلت أعتبر أن عمل الخادمة هو في أساسه عمل شريف يكفي المرأة السعودية ذل السؤال لكن بعد ماذا؟ بعد أن تفتح جميع فرص العمل  للمرأة السعودية حتى لا تصبح الخيارات الوظيفية أمامها ضئيلة جداً. لقد كتبت أيضا في ذات المقال: "لم تستطع المرأة السعودية أن تحقق ذاتها في مجالات عمل مختلفة تتناسب مع قدرة المرأة العملية وشخصيتها، إذ مازالت تبحث عن دور لها في تحريك عجلة المجتمع لقبول عملها كبائعة للملابس النسائية في السوق أو تكون مضيفة مطعم، وليكن لقسم العائلات على أقل تقدير، أو محاسبة في (كوفي شوب) أو مضيفة استقبال في فندق مثلاً وليكن مخصصاً للنساء النازلات في هذا الفندق أو ذاك أو موظفة في مكاتب حجوز الطيران، أو أي وظيفة تتكدس فيها العمالة الوافدة بالآلاف والملايين .
وأعتقد لو فتحت المجالات للمرأة في هذا الجانب فإن الكثير من النساء سوف تكون لهن فرص عمل أكثر من غيرهن كونه يتناسب كثيراً مع شخصية المرأة...".
    إن فرص العمل التي فتح مجالها للمرأة السعودية ضئيلة جداً ، بحيث اقتصر هنا على بعض الأعمال التي ربما لا تخالط فيها الرجل إلا قليلا كوظيفة معلمة أو محاضرة في جامعة أو موظفة في بنك في القسم النسائي، كما تم قبول كونها ممرضة أو طبيبة اضطراراً. ولقد أثبتت المرأة السعودية قدرتها ونجاحها في إدارة أعمالها بشكل يوازي الرجل. هذا إن لم تتفوق عليه في بعض الجوانب، والقدرات الذاتية تتوزع بين الرجل والنساء على حد سواء دون تمييز. بعض الرجال لا يستطيع إدارة حياته اليومية، ولكنه بحكم ذهنيته الذكورية يرفض إدارة زوجته حياتهما بشكل يفوق إدارته أو يرفض إدارة المرأة السعودية في أي قطاع من القطاعات. إن الإشكالية هنا في النظرة الدونية للمرأة بحيث اقتصر العمل على جوانب هي لا تحقق إلا جزءا بسيطاً من اقتصادات البلد في حين تذهب فرص العمل الأخرى للعمالة الوافدة وتبقى المرأة السعودية ضريبة ذهنية ذكورية عامة تسيطر على مجريات الحياة اليومية للمجتمع السعودي.
   كما أرجو ألا يفهم كلامي على أنه رفض مطلق لكون السعودية تصبح خادمة ، فهذا ما لا أقصده أيضا كون عمل المرأة الخادمة هو في أساسه عملا شريفا، لكني أقبله بعد فتح عدد كبير من فرص العمل للمرأة السعودية وعدم اقتصاره على وظيفة أو وظيفتين. إننا في دولة نفطية معدل الطفرة الاقتصادية لديها في ازدياد سنة بعد سنة ومن الطبيعي أن تنتج هذه الطفرة عملية تنموية على مستوى اقتصاد البلد كاملاً ، وطبيعي أيضا أن تخلق التنمية فرص عمل أكثر من ذي قبل، وهنا يكمن العمل على خلق وظائف متعددة تطرح الخيارات البديلة على وظيفة الخادمة.