عندما تصبح الأحلام حقيقة.. حينها يقول الفتى "ها أنا ذا"، بعيداً عن البهرجة وقريباً من الإنجازات الحقيقية قدم ثلة من الشباب المثال على القدرة التي يمتلكونها في تحويل الأمنيات إلى عجلات تسير على الأرض، كيف ذلك؟ هل في الأمر لبس؟ الموضوع في جعبته كثير من التفاصيل التي تمنحنا كثيرا من الرضا عن صنيعة هؤلاء التي خرجوا بها لنا.

البداية.. فكرة

نعم.. لطالما كانت الأعمال العظيمة تبدأ بفكرة تراود مخيلة خصبة لشخص طموح بتغيير المألوف، فكيف إذا جاءت الفكرة من 3 شبان، طرحوها كمشروع للتخرج في الجامعة فخرجت "وهج" سيارة سعودية بالكامل في تفاصيلها كافة تعمل بالطاقة الشمسية نفذها شبان ثلاثة من طلاب جامعة الملك فهد للبترول والمعادن ارتفع عددهم بعد ذلك إلى 20 طالباً بإشراف مباشر من رئيس قسم الهندسة الميكانيكية بالجامعة الدكتور عمرو القطب، بالتعاون مع عدد من الأساتذة المتخصصين بالجامعة، ليثمر ذلك سيارة وهج التي ذهبت إلى أقصى العالم، هناك في أستراليا لتقدم نفسها ممثلة لشباب سعودي يستطيع فعل كثير.

التفاصيل

لن نجد إذا ما أردنا مزيدا من التفاصيل أفضل من المسؤول والمعني بهذا الملف ونعني به الدكتور عمرو القطب الذي يتحدث عن ذلك بفخر قائلاً "نعم بدأت الفكرة بمشروع تخرج لثلاث شباب في قسم الهندسة الميكانيكية في الفصل الدراسي الثاني لعام 2010 بإشراف أعضاء هيئة التدريس بالقسم الدكتور ناصر مراح والدكتور عبدالرحمن شعيب وبالانتيشامي غانديد هاسان، وفي وقت لاحق انضمت مجموعة أخرى للفريق الأساس من تخصصات ومستويات دراسية متعددة حتى بلغ مجموع أعضاء الفريق أكثر من عشرين طالباً، واختار الطلاب "سراج" اسماً لفريقهم و(وهج) اسماً للسيارة، كما اختاروا عبدالله الخضير رئيساً لفريق الطلاب وماجد لنجاوي نائباً لرئيس الفريق من قسم الهندسة الميكانيكية."

ويسترسل القطب في حديثه "واصل الفريق عمله قرابة 11 شهراً، ليلاً ونهاراً حتى مواسم الأعياد والعطلات لم يتوقف فيها المشروع عن العمل لينتج في النهاية سيارة سباق تعمل بالطاقة الشمسية لتشارك في سباق مخصص لهذه النوعية من السيارات في أستراليا،" وأضاف "حقيقة في البداية لم يكن لدى الفريق أي خبرات سابقة في مشاريع مشابهة، ولم يسبق لهم المشاركة في سباق عالمي مماثل، إلا أن ذلك لم يمنع الجميع من تحقيق الهدف المنشود معتمدين على القدرات الذاتية التي يمتلكها أفراد المجموعة."

دعم مباشر

من جهتها لم تقف جامعة الملك فهد للبترول والمعادن موقف المتفرج من حلم أبنائها، فوفرت فرصة السفر وزيارة معهد ماساتشوستس MIT للتكنولوجيا بالولايات المتحدة الأميركية في 11 نوفمبر 2010 على خلفية ما يحتويه المعهد من الخبرات الأكاديمية والبحثية والبرامجية التطبيقية المتطورة التي ينفذها المعهد، ونظراً لخبرته الطويلة في تصنيع سيارات ذات أنظمة مشابهة عبر مشاركات المعهد الأميركي لسنوات في السباق الدولي بأستراليا.

بدء العمل

بعد العودة من الولايات المتحدة "بدأ الفريق عمله على تصميم مجسم المركبة والقطع الميكانيكية المختلفة للسيارة ضمن 3 مسارات ميكانيكية للسيارة وتشمل الهيكل الأساس ونظام التعليق والتوجيه، والثاني الهيكل الخارجي ويشمل ديناميكا الهواء والمواد المركبة وتصميم القوالب الخاصة بالإضافة إلى الأجهزة الخاصة بتصنيعها، والثالثة هي النظام الكهربائي ويشمل الخلايا الشمسية وأنظمة التحكم بالمحرك والبطارية، بالإضافة إلى أجهزة الاتصال اللاسلكي لنقل المعلومات."

تصنيع القالب

توصل فريق العمل إلى الاستعانة بألياف الكربون لتشكل القالب الخارجي للسيارة لما يتميز به من خفة بالوزن وصلابة مطلوبة، كما عمل الفريق على تنفيذ تطبيق الديناميكا الهوائية للهيكل لتقليل مقاومة الهواء عند بلوغ السيارة لسرعات عالية بالنسبة لمثل هذه السيارات، والعمل كذلك على تنفيذ آلية استقرار السيارة تطبيقياً عند الفرملة، لأن كل تلك التطبيقات عملياً كانت مقيدة بدقة بالمعايير والمقاييس المفروضة من طرف لجنة تنظيم السباق العالمي للطاقة الشمسية."

وبحسب الدكتور القطب فإن "القرار الجريء اتخذ منحنى آخر متطوراً عبر تنفيذ الفريق خط إنتاج مستقبلي عبر صناعة لماكينة فرز جديدة عالية الدقة بالإضافة إلى تصنيع فرن حراري كبير صنعت كلها في ورشة عمل ومعمل قسم الهندسة الميكانيكية من قبل الطلاب، وبالمتابعة التنفيذية المضنية في الورشة والمعمل ومختبر التصميم والنماذج بدأ يتضح حلم "سيارة وهج" كواقع وذلك بعد عمل معظم أعضاء الفريق بمعدل 16 ساعة يومياً وباستمرار دون توقف حتى خلال أيام شهر رمضان المبارك وخلال إجازة عيد الفطر بهدف اللحاق بتنفيذ المشروع قبل موعد المشاركة المقررة في منتصف أكتوبر 2011 بسباق أستراليا الدولي لسيارات الطاقة الشمسية."

السباق الحلم

سباق السيارات الشمسية الذي ذهبت له "وهج" يقام في أستراليا كل عامين، ويصنف في طليعة السباقات العالمية المختصة، وله شهرة عالمية منذ انطلاقته عام 1985، ويقطع خلاله المتسابقون مسافة 3 آلاف كيلو متر خلال 6 أيام فقط، بداية من مدينة داروين شمالاً وصولاً إلى اديلايد في أقصى الجنوب الأسترالي، فلا عجب إذن أن تشاهد أشهر المؤسسات المعرفية في العالم مثل ستانفورد وMIT للتكنولوجيا وجامعة ميتشجان الأميركية وجامعة توكاي اليابانية وغيرها من الجامعات الأسترالية والأوروبية والآسيوية الشهيرة تشارك في السباق.

ومن أجل ذلك وضعت الجهة المسؤولة عن السباق شروطا صارمة للغاية قبل التأهل للسباق ابتداءً من مرحلة التصميم الأولى مروراً إلى تطبيق استخدام أجهزة ومعدات متوافقة مع المعايير القياسية وكذلك اختبار متانة وقدرة تحمل جسم المركبة (الشاصي) واختبارات السلامة لكل أجزاء السيارة، كافة تلك المعلومات تقدم عبر تقرير دقيق لإدارة السباق وعند قبول السيارة للمشاركة في دخول السباق تخضع لفحص نهائي في الموقع بأستراليا يشتمل على فحص المكابح والمقود وأنظمة التشغيل كافة ووسائل السلامة، وبعد ذلك يجب قيادة السيارة في دورة قيادية واحدة بمضمار الهيئة المنظمة للسباق لتأخذ ترتيبها النظامي بين السيارات المتنافسة في السباق قبل بدايته.

السباق

وهكذا انتقل الفريق سراج ومعه سيارته وهج إلى أستراليا واستؤجرت لهذا الغرض طائرة من نوع "انتوف 12، ومنذ البداية وبحمد الله اجتازت وهج الفرز الأولي للتحدي العالمي للطاقة الشمسية (WSC) في 14 أكتوبر 2011م حيث حصلت سيارة “وهج” على الترتيب العشرين بوقت وقدرة 34:2 وبسرعة 64.05 كم/س بين السيارات المشاركة التي يبلغ عددها 37 سيارة مشاركة، لتتأهل إلى السباق النهائي في أول مشاركة رسمية لها، لتحصل على المركز التاسع و العشرين بعد أن قطعت مسافة 1269 كيلومتراً بنجاح من 3 آلاف كيلومتر هي مسافة السباق خلال 6 أيام. لم نأت للفوز بالسباق، لم يكن ذلك هدفنا، كنا نمتلك رؤية لما نريد تحقيقه، والذي يتمثل ببساطة في إبراز الإمكانات التي تتوفر لدى الطالب السعودي عامة وطالب جامعة الملك فهد للبترول والمعادن خاصة والقدرات والمواهب يستطيعون بها المنافسة عالمياً، ذلك ما جاء على لسان الدكتور عمرو القطب في تعليقه على مشاركة السيارة وهج في السباق.

جهات داعمة

يختتم الدكتور عمرو حديثه بالإشارة إلى الجهات الداعمة التي وقفت وراء مشروع وهج بالقول:

الجامعة تكفلت بميزانية تصميم وتصنيع السيارة بالكامل كما تكفلت أيضاً بتمويل تكاليف الرحلة وتكاليف شحن السيارة والمعدات الخاصة من خلال رعاية مركز سلطان بن عبدالعزيز للعلوم والتقنية "سايتك" حيث ساهم الفريق بإنتاج وتصنيع أكثر من 85% من المعدات والمواد المستخدمة في تصنيع المركبة داخل ورشة قسم الهندسة الميكانيكية ومعمل الجامعة بمبنى رقم 1 مما كان له بالغ الأثر في تقليص التكلفة العامة للتصنيع وتوفير عامل الوقت المتلاحق قبل الاستعداد النهائي للمشاركة، فلهم كل التقدير على ذلك.

فكر جديد

إذن نشاهد الآن فريقا مقبلا من أرض البترول يستخدم الطاقة الشمسية، أبدأتم تستخدمون الطاقة النظيفة الآن؟. محمد أبو شريفه: نعم نحن استثمرنا خيرات طاقة الذهب الأسود لتخدم مشاريعنا في الطاقة النظيفة. ما سبق كان جانباً مما دار بين مذيعة في قناة تلفزيونية أسترالية والطالب في فريق سراج محمد أبو شريفة.

وعن التجربة، قال أبو شريفة وهو رئيس قسم جسم السيارة والديناميكية الهوائية في الفريق "منحتنا التجربة الأسترالية كثيرا من الإضافة على الصعيد العلمي والحياتي، كان من الرائع وجود اسم مملكتنا هناك في محفل عالمي بهذه القيمة، وما يشغلنا الآن الاستعداد للمشاركة في شهر سبتمبر المقبل في سباق جنوب أفريقيا، حيث أصبحنا الآن أكثر تمرساً، ولن يأتي السباق العالمي المقبل إلا وقد أصبحنا من ضمن الفرق المنافسة على اللقب."

صعوبات وآمال

أما زميله في الفريق نائب الرئيس ماجد لنجاوي فيتحدث عن الأمر من وجهة نظره الخاصة، حيث يقول: يا لها من أيام رائعة منذ بداية فكرة المشروع وحتى انطلاقة السباق، عانينا كثيراً لتظهر وهج كما نريد، لقد عمل الفريق بروح الجماعة، توقعنا أن مجرد السفر إلى أستراليا سيكون هو بداية انتهاء الضغوط إلا أن الأمر لم يكن كذلك، حيث كانت الأجواء مفعمة بالتركيز والرغبة بتحقيق الهدف، واجهتنا بعض المشاكل الفنية مثل الأعطال ولكننا تجاوزنا ذلك، وهج لم تتوقف وهذا جل ما نأمل به، أما فريق سراج فسيستمر بالأهداف والطموحات نفسها لنتائج أفضل لأنه بُني على قواعد راسخة."

وبذلك تنتهي قصة وهج آذنة بفصل جديد من المعرفة وبانتظار حلم جديد تحوله عقول وسواعد شبابنا إلى حقيقة نقدمها كنموذج يعتد به أمام العالم في محافله الدولية المعتبرة التي تكفل لنا مزيدا من التقدم بين الأمم، فمرحى بشباب من أمثال فريق سراج.


معلومات السيارة

• أول سيارة تعمل بالطاقة الشمسية تصنع رسمياً في المملكة.

• حاصلة على رقم تسلسلي معتمد من المنظمة الأميركية المعتمدة والمصدرة لأرقام هياكل السيارات المصنعة كأول سيارة عبر الرقم الدولي المسجل 001001bm4asias9rs

• الطول 4.8م، العرض 1.78، الارتفاع 1.1.

• السرعة القصوى 140 كم في الساعة.

• الخلايا الشمسية 392 خلية سيليكون بمساحة 6م.

• المحرك: كهربائي بكفاءة 98%.

• البطارية: ليثيوم فوسفات الحديد.

• الهيكل: حديد كرموللي.

• العجلات: عجلتان في الأمام وأخرى في الخلف مقاس 16 بوصة.

• الإطارات: بيرللي


فريق سراج


رئيس الفريق الدكتور عمرو القطب.

مستشار المعدات الصناعية: الأستاذ عمرو الشريف.

المستشار والمساعد التنظيمي: الأستاذ عبد السلام القطب.

الطلاب المشاركون: عبد الله الخضير، ماجد لنجاوي، محمد أبوشريفة، فهد المالكي، أحمد الصقعوب، عمر العيسى، إسماعيل الراوي، أحمد النمر، إسماعيل تمبكتي، علي الشقاق، حسن الأهدل، محمد الأمرد، أحمد الحمراني.