هيئة الاتصالات تحاسب شركات الاتصالات على الخدمات المجانية، لكنها لاتحاسبها على المستوى المتدني لخدماتها المدفوعة الرسوم. أحد أصدقائي في مدينة جدة – أكرر جدة – لا يمكنه تلقي أي اتصال أو رسالة على جواله داخل منزله، ومنزله في وسط شمال جدة وليس في الصحراء، وكنت أظنه الوحيد، لكنني اكتشفت أن هناك آخرين مثله يعانون في أحياء مختلفة. ولهذا لم أستغرب عندما هاتفني صديق من منطقة الباحة يشكو من نفس الحال، ولكنها في الباحة ليست حالات قليلة مثل جدة وإنما هي القاعدة. فصديقي هذا يقول لم أجر مكالمة واحدة دون أن يسمعها جيراني، وهم كذلك. لأنه لا بد من الخروج إلى الحوش أو الطريق أو التمدد عبر الشبابيك، فالباحة منطقة جبلية وشركات الاتصالات عندنا لا تحب إلا السهول والخبوت الممتدة. ولذلك فإذا تحدثت إلى أحد في الباحة عبر الجوال فعليك أن تتوقع انقطاع المكالمة بينكما مرتين وثلاثا وأربعا، ولا تسل أين موقع محدثك على الطرف الآخر، فهو إن كان في بيته، فنصفه العلوي ممدود عبر الشباك يتصيد ذبذبات الإرسال ونصفه السفلي بيدي زوجته أو أحد أولاده حتى لا يذهب ضحية مكالمة. وإن كان في الطريق، فإنه يتلفت بحثا عن أقرب قمة يمكن أن تتدفق عليها بركات الاتصالات ليتم مكالمته. ولعل الباحة مجرد أنموذج لغيرها من مناطق الجبال والأطراف. هذا بالنسبة للجوال أما خدمات النت فحدث عن سوئها ولاحرج ليس في الباحة والمناطق الجبلية الأخرى وإنما في كل مكان من البلاد.
لايستطيع أحد أن يمتنع عن تسديد خدمات الاتصالات، فلدى الشركات ألف طريقة وطريقة لنيل حقوقها عند الناس، لكن ليس لدى هؤلاء المستهلكين وسيلة ناجعة واحدة لمحاسبتها على سوء الخدمة وإجبارها على تحسينها. وهيئة الاتصالات ليس لديها آلية واضحة لمراقبة الخدمات المقدمة وتلقي شكاوى الناس حولها وإنصافهم.
إنني لا أظن أن أحدا في العالم كله مازال يشكو من تردي هذه الخدمة كما هو في بعض أجزاء بلادنا، وفي بعض خدمات الاتصال مثل النت. كما لا أظن أن شركات الاتصالات في الدنيا كلها تحصد أرباحا توازي ما تحصده الشركات في بلادنا. فيا هيئة الاتصالات هل من سبيل إلى إجبار الاتصالات على تخصيص جزء يسير من أرباحها المهولة لتحسين خدماتها في جميع خريطة المملكة العربية السعودية سهلا وجبلا وصحراء ومدينة وقرية، فالاتصالات في يومنا هذا لم تعد ترفا، وإنما من ضروريات العصر.