في لقائها مع مجموعة من السيدات السعوديات من سيدات الأعمال والإعلاميات والطبيبات في الغرفة التجارية الصناعية بجدة، استمعت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى نماذج فاعلة ومؤثرة من النساء السعوديات اللائي وصلن إلى مراكز قيادية مرموقة داخل المملكة وخارجها.
وكان ذلك اللقاء منوعاً وعميقاً خاصة وأنه كان مع المستشارة الألمانية، ليس لمجرد كونها تتقلد منصباً عالياً في هرم السلطة الألمانية، بل وأيضاً لكونها خريجة قسم الفيزياء الذي علمتها مناهجه أن تطرح الحقائق كما هي بدقة وعلمية حتى وإن كانت جارحة، ولكونها أيضاً تمثل أقليتين (كونها امرأة وكونها تنتمي إلى ألمانيا الشرقية قبل توحيد الألمانيتين)، ثم لكونها أول امرأة تتقلد منصب مستشارة لألمانيا بعد أن تقلدت منصب وزيرة لشؤون المرأة والصحة عام 1990 ووزيرة للبيئة عام 1994. يقابل هذا التنوع في خبرات ومناصب المستشارة الألمانية خبرات وتنوع في النساء السعوديات اللائي التقين بالمستشارة.
حينما طرح موضوع تمكين المرأة اقتصادياً وسياسياً عرضت المستشارة بشكل تشريحي ودقيق أربعة عوامل أعتقد أنها على جانب كبير من الأهمية والعالمية كونها تمثل ظروف وسياقات وضع المرأة في العالم بشكل عام بغض النظر عن الانتمـاءات الإقليمية والثقافية.
أي إن هذه الظروف هي متشابهة بشكل كبير في العالم الغربي والعالم العربي والمحلي. أول هذه العوامل هو إيمان المرأة بحقها في المشاركة ومن ثم عملها الدؤوب والمستمر للحصول على هذا الحق.
من الطبيعي جداً ألا تكون كل النساء داعمات لهذا الحق، بل إن الكثير منهن في البداية سيقفن ضد المرأة بحكم العادة والثقافة التي تأصلت عبر القرون، وهذا تماماً ما مرت به المستشارة الألمانية ذاتها عندما شكك عدد من النساء الألمانيات في قدراتها على النجاح وهي تخوض ميادين كانت تعتبر حكراً على الرجال. المرأة قد لا تقف مع المرأة، وقد تتعرض النساء للكثير من الإحباط جراء ذلك. كل ذلك طبيعي ولا علاقة له بكونك امرأة، فالنساء، مثلهن في ذلك مثل الرجال، بشر فيهن القوي وفيهن الضعيف وفيهن الصالح وغير الصالح.
لذا ليس من المنطقي أن نتوقع أن تكون كل النساء أفضل من كل الرجال ولا العكس كما لا يمكن التعويل على أن كل شيء يحصل (سلباً أو إيجاباً) هو نتاج لكونك امرأة.
العامل الثاني الذي ترى المستشارة أهميته في تمكين المرأة فهو ضرورة تكوين الشراكات بين جميع الجهات الرسمية وغير الرسمية التي لها علاقة بقضايا المرأة، وعن طريق هذه الشراكات المتعددة تستطيع المرأة العمل الفاعل والبناء على المكتسبات والتقدم.
العامل الثالث هو بناء شبكة من العلاقات خاصة بالنساء تمكن المرأة من بناء الثقة في ذاتها وتساعدها على التعامل مع النساء على اختلاف مستوياتهن وتوجهاتهن.
والعامل الرابع، وهو الأهم في نظري، فيكمن في القدرة على إدارة الأسرة والعمل في الوقت ذاته، أي التوفيق بين متطلبات المنزل ومتطلبات العمل، وهذا لا يتم إلا عن طريق إشراك الرجل في تحمل مسؤولياته نحو أسرته وأطفاله. قليلات هن النساء الاستثنائيات اللائي في استطاعتهن التفوق والنجاح في الجمع ما بين مسؤوليات الأسرة ومتطلبات العمل.
أما الغالبية فهن لسن أفضل من الرجال ولا أكثر قدرة على الجمع ما بين الوظيفتين. إذن يكمن الحل في نظر المستشارة الألمـانية في تغيير الواقع الاجتماعي بحيث يتغير الرجل والمرأة في آن واحد فتتم مساعدة المرأة عن طريق سن القوانين والتشريعات التي تدعم من مساعدة الرجل لها وتخفف من الضغوط الملقاة على عاتق المرأة العاملة الطموحة حتى تتمكن من الجمع بين الوظيفتين بمشاركة الرجل لها في أعباء الأسرة والأطفال.
من الخطوات الداعمة في هذا الاتجاه هو ما سنته الحكومة الألمانية من قوانين تتيح للرجل الحصول على إجازة "أمومة" عندما ترزق الأسرة بمولود. أي أنه بإمكان الزوج أن يحصل على إجازة مضمونة العودة للعمل مع دفع 68% من راتبه مقابل حصوله على تلك الإجـازة التي تتيح للزوجة القـدرة على مواصـلة العمل بعد أن تنجب. والمثير للاهتمام في التجربة الألمانية في تشريع إتاحة إجازة الأمومة للأب أو للأم بنفس المزايا أن الأزواج من المناطق المحافظة في ألمانيا، والذين عارضوا هذا التوجه في البداية، كانوا بعد ذلك الأعلى نسبة في الحصول على هذه الإجازة.
في نهاية اللقاء وبعد أن استمعت المستشارة إلى إنجازات المرأة السعودية، وأعتقد أنها كانت مقدرة ومعجبة بما وصلت إليه النساء السعوديات، طرحت المستشارة الألمانية علينا سؤالاً بلاغياً أجابت هي عليه.
السؤال: في اعتقادكن ما هو تصور المرأة الألمانية عن المرأة السعودية؟ فأجابت المستشارة بصدق ودقة: لا يسـمح لها بقيادة السـيارة!! كانت الإجابة تقليدية ومتوقعة من قبل كثير ممن يـزور المملكة من الغربيين، إلا أن المستشارة الألمانية كانت أكثر حساسية وتفهماً.
لذا كان تعليقها اللاحـق على تلك الإجابة لافتاً وغير تقليدي: قد لا يكون هذا أمراً على سلم الأولويات لدى المرأة، لكنه يظل الرمز الذي يختصرنا العـالم ضمن حـدوده. لذا عندما أتبعت المستشارة تعليقها بسـؤال استفهامي هذه المرة، وقالت: هل تعتقدن أن المرأة السعودية سـوف تقود السـيارة؟ كانت إجابتنا الطبيعية: بالتأكيد ستسوق المـرأة السعودية السيارة قريباً جداً إن شاء الله.. وإن غداً لناظره قريب!