إنه ثلاثة في واحد، وواحد في ثلاثة: "أسامة"/ "الشخص" المثقف القومجي العربي الاشتراكي البرجوازي ـ ماتعرفش إزَّاي؟ ـ الذي أحدثت تجربته العملية البائسة في "الكويت"، حفرةً سحيقةً في نفسه الحساسة، لم يستطع "أنور"/ الروائي المتميز بأسلوبه "الشهرزادي" الغزير، ولا "عكاشة"/ السينارست المهيب ببراعته الفذة، أن يدفناها، أو يموِّها ـ على الأقل ـ فمها الذي لم تزده الأيام والشهرة إلا اتساعاً! إلى أن طفحت مع أزمة احتلال الكويت 1990م حقداً طبقياً، وحسداً إقليمياً، ضد هؤلاء "الخلايجة"، الذين حكَّمهم "النفط" في مصائر "أسيادهم" من العرب! وأقحم المبدعين/ "أنور"، و"عكاشة" في قضايا يندى لها جبين أشد الناس إعجاباً بهما! وردَّ عليه الخليجيون بقسوةٍ؛ فقاطعه أكثر المنتجين ـ بمن فيهم "المصريون" ـ لأن تلفزيونات الخليج قررت عدم شراء أي عملٍ يحمل اسمه! ولو ترك للمبدعين حريتهما لشفيا غليله "الشخصي" بالذوق، ولتمكنا من تذويب "أزمته الذاتية الضيقة"، في قضايا إنسانية رقراقة، كما فعلا في روائع: "وقال البحر"، و"عابر سبيل"، و"الشهد والدموع"، و"ليالي الحلمية"، و"رحلة السيد أبو العلا البشري"! لكنها مأساة "المتنبي" مرةً أخرى: فرض الفنان شخصيته على "سيف الدولة"، إذ لم يكن مدحه استجداءً، بل مقايضة واضحة: أنت تدفع لي المال مقابل الخلود:
لك الحمدُ في الدُّرِّ الذي ليَ لفظُهُ * فإنَّك معطيه وإنِّيَ ناظمُ!
فلما استلم "الشخص" حياته في المرحلة "الكافورية"، لم يتورع عن استخدام "المبدع" لتحقيق مآربه الدنيوية، باستجداءٍ يريق ماء وجه حتى من يقرؤه:
وغيرُ كثيرٍ أن يزورك راجلٌ * فيرجعَ ملْكاً للعراقين واليا!
أما وقد رحل "أسامة" من الفانية إلى الباقية، يوم الجمعة 28/5/2010 فلنردم "الحفرة" إياها، ونقرأ الفاتحة صادقين على نفسه المؤمنة، والبقاء في المبدعين اللذين أعطيا للدراما التلفزيونية هيبةً وحضوراً لا مثيل لهما، مع أن "السينارست" ظل حبيس الفكر الإذاعي، الذي أشرنا له في نشرة نقدية بعنوان : "السيناريو الإذاعي"، بحيث تستطيع متابعة روائعه وأنت مغمض العينين! فلم تكن ثقافة الصورة حاضرةً كما في أعمال/ "يوسف شاهين"، ولا يبرز في أعماله "أحمد زكي" الممثل المتميز بحركة الجسد والملامح، بل "عبدالله غيث"، و"عفاف شعيب"، وغيرهما من المتميزين بالمنبرية والإلقائية!
أما تجارب "عكاشة" المسرحية، فلابد أن تدرَّس في المعاهد المتخصصة، تحت عنوان: أسوأ ما يمكن أن تشاهده على الخشبة!!!