خلال عشرين عاما، عادت ألمانيا بشكل ملحوظ إلى الساحة الدولية. ولطمأنة جيرانها، تظهر جدية واستمرارية في سياستها الخارجية. هذه الاستمرارية لا تمنع القيام ببعض الإصلاحات. فحتى العام 1990، تميزت السياسة الخارجية لجمهورية ألمانيا الاتحادية بشيء من التحفظ ولم تتغير سياستها الخارجية إلا بحذر، ومن دون أن تتخلى كلية عن خطها السابق باستثناء واحد: تمثل في رفض المستشار جيرهارد شرودر أن يدعم التدخل العسكري للولايات المتحدة في العراق في العام 2003. وخلال العقدين الأخيرين، قام المسؤولون الألمان عمليا بكل ما يلزم من أجل طمأنة شركائهم الأجانب وإقناعهم بأنهم لم ينسوا دروس التاريخ.
هكذا نجد أن مختلف المستشارين، ظلوا أوفياء لمقاربة جماعية ومتعددة الأطراف، قد أداروا حالات الأزمة بتفضيل الحلول المدنية. فاللجوء إلى الوسائل العسكرية، المقيد جدا، لا يحدث إلا بناء على طلب من المنظمات الدولية مثل الاتحاد الأوروبي أو حلف شمال الأطلسي أو منظمة الأمم المتحدة، وبعد موافقة البرلمان. وتلك هي واقعية وتوازن لم يمنعا ألمانيا الجديدة، البالغة الوعي فيما يخص مصالحها، من الاضطلاع بكامل مسؤولياتها المتزايدة.
والسيد شرودر، الذي تخلى عن كل عقدة نقص، وراح يدافع بقوة عن المصالح الوطنية، بدا صادما أحيانا في مواقفه، فقد صرح مثلا في ديسمبر من العام 1998 قائلا: "إن أكثر من نصف الأموال المبذرة في أوروبا تدفعها ألمانيا". إلا أنه حقق تقاربا مع باريس وموسكو.
كما نجح السيد شرودر في إدارة العلاقات الدولية بحزم حذر: فقد نجح في عملية توسيع الحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي، وعمل على المصادقة على مشروع "الدستور الأوروبي" الذي رفضه الفرنسيون في 29 مايو عام 2005، وفي السنة نفسها تقبل على مضض أن تفوز عليه بفارق ضئيل السيدة أنجيلا ميركل التي كانت تدعم سياسات السيد بوش.
وقد استعادت المستشارة ميركل الحوار مع الولايات المتحدة، وجعلت سياسة ألمانيا الخارجية أقل ارتباطا بفرنسا، واحتفظت بمسافة عن روسيا في ظل حكم الرئيس فلاديمير بوتين الذي اعتبرت أنه لا يحترم حقوق الإنسان كما يجب. هكذا اكتسبت دورا كبيرا على الصعيد الدولي عندما حققت نجاحا في رئاستها المجلس الأوروبي ومجموعة السبعة في العام 2007.
وإذ تصغي المستشارة جيدا إلى آراء شركائها، إلا أنها لا تتردد في عدم الموافقة عليها أو حتى في معارضتها، ولكي لا تصدم روسيا، عملت على تأجيل ضم جورجيا وأوكرانيا إلى حلف الأطلسي. كما أن التهديدات الصينية بإجراءات ثأرية، والتي تجسدت فعلا، لم تمنعها من استقبال الدالاي لاما في العام 2007 ومن مقاطعة افتتاح الألعاب الأولمبية في بكين في العام 2008: فرهاناتها الأساسية في سياستها الخارجية قائمة في مكان آخر، وبإمكانها أن تسمح لنفسها بخلاف عابر مع بكين، إضافة إلى أنها تعرف أن الصين لا يمكنها أن تتخلى عن ألمانيا على الصعيد الاقتصادي.
إلا أن التجذر في الغرب يبقى الركيزة الأساسية التي تتمحور حولها علاقات ألمانيا مع العالم، فهي لا تقف على مسافة واحدة بين واشنطن وموسكو، ولا تعتبر نفسها قوة وسطية في أوروبا، كما أن التحديات الأساسية القائمة في القرن الحادي والعشرين تعزز المقاربة المتعددة الجوانب.
وبمعزل عن الفروقات في الأسلوب والشخصية بين السيد ساركوزي والسيدة ميركل، فإنهما حقيقة قد عبرا عن اختلافهما حول مشروع الاتحاد المتوسطي (الذي لا يمكن أن يضم ألمانيا) والذي أصبح فيما بعد مشروع الاتحاد من أجل المتوسط، وحول استقلالية البنك المركزي الأوروبي، وإدارة اقتصاد الاتحاد.
كما ظهرت تباينات أخرى بالنسبة إلى الحلول التي يجب أن تقدّم لمعالجة الأزمة المالية والاقتصادية، أو لإعادة تركيب النظام المالي الدولي. أما الخلاف مع واشنطن حول الحرب في العراق في العام 2003، بشكلٍ عام ترى ألمانيا أن حل المشاكل الداخلية المعقدة في دول مثل العراق أو أفغانستان أو الباكستان أو إيران يجب أن يتم عبر المنظمات الدولية (الاتحاد الأوروبي، الحلف الأطلسي، الأمم المتحدة)، وهي أحد الممولين المهمين لهذه المنظمات. وتهدف سياساتها إلى الحد من استعمال القوة لصالح الحلول المتعددة الأطراف.
في العام 1990، كان الوعد بتقديم مساعدة اقتصادية ومالية مناسبة كافيا لإقناع الاتحاد السوفييتي بالقبول بإعادة توحيد ألمانيا.
لذا تعطي برلين أهمية أولية للعلاقات مع روسيا، وبالتالي يبدو الزعماء الألمان مهتمين بمراعاة هذه القوة العظمى التي تراجعت كثيرا منذ انهيار النظام السوفييتي والديمقراطيات الشعبية. وهكذا نسجت مع روسيا شبكة وثيقة من أشكال التعاون الثنائية الأطراف والأوروبية ومتعددة الأطراف، مبدية الحرص في الوقت نفسه على عدم إثارة خشية دول أوروبا الوسطى والشرقية، التي ما تزال أيام وصاية الكرملين ماثلة في ذاكرتها.
وتشكل آسيا مجموعة واسعة بالغة التنافر، لدرجة يصعب معها وصف الخطوط الكبرى للسياسة التي تتبعها برلين تجاه هذه القارة.
فهي في مقاربتها الإقليمية هنا تميز بين شرق آسيا، وجنوب شرق آسيا، وآسيا شبه القارة الهندية (وعلى الأخص أفغانستان والهند والباكستان).
وبفضل سياسة عرفت كيف تتكيف مع التغييرات الداخلية ومع تطورات الظروف الدولية، نجد للمرة الأولى المستشارة ميركل تقول في مجلس النواب، في 30 نوفمبر من العام 2005، خلصت إلى ما يلي: "لم يسبق لألمانيا أن كانت حرة، كما هي عليه اليوم".