لا أعرف لماذا يشح البلد بوحدة مستقلة للإحصاءات والأرقام واستطلاعات الرأي العام. التخطيط بلا دليل رقمي مثل أن تنزل في عرض البحر من سفينة للسباحة. لا تدري عن دوامات الماء ولا عن كثافة حيواناته الفتاكة. خذ مثلا أننا اليوم رابع دولة في العالم في الاحتياط النقدي بـ(410) مليارات دولار وبصفر مكعب من قبعات الدين الخارجي. ولكن خذ في المقابل أن أحدا لا يعرف بالضبط حجم البطالة المحلية وأن الفارق في تقدير حجم هذه البطالة يتراوح بين صحيفتين إلى رقم مئوي يتباين بين تقديرهما لهذه النسبة بما يقرب العشرة في المئة. خذ مثلا أن حملة وزارة العمل للتوظيف قبل أعوام حصرت فقط، ما يقل عن مئتي ألف متقدم، بينما يطلب صندوق الموارد البشرية الدعم من أجل نصف مليون عاطل عن العمل في البلد. خذ مثلا أن جاري (السابع) يشتكي من عطالة ستة من أولاده وبناته وهم يعيشون على فتات راتبه التقاعدي ولك أن تكون معهم وحدة إحصاء: إما أنهم عائلة عاطلة 100% وإما أن تعتبر الأب لا يدخل هذه النسبة. لك أن تقول إن خريجات الجامعة بلا عمل حتى اللحظة يقتربن من 280 ألف امرأة في منتصف الثلاثينات يتنافسن على المعلن الرسمي من اثني عشر ألف وظيفة متاحة لهذا العام. وحتى كل هذه الأرقام التي جمعتها لكم من قصاصات صحفية تخضع للتباين المخيف ولكن: مهما كان حجم البطالة، صغيرا أو كبيرا، فلك أن توازيه وزنا مع الاحتياطي النقدي لتعرف أين تكمن العلة. نحن لا نشتكي قلة في الموارد ولكن نشتكي خطط التوزيع. خذ مثلا أننا نحفر نفقا في الشارع العام بتكلفة مئة مليون ريال من أجل زحام مئة سيارة وقت الذروة في الإشارات (الأربع) لتقاطع شارعين، ولكننا لم نفكر في ذروة الزحام الهائل على عشرة أسرة للعناية المركزة بمشفانا المركزي منذ ثلاثة عقود خلت. نصرف مئة مليون كي نختصر زحام الطريق على سائق يستمع بانسجام لأغنية (المعاناة ومحمد عبده) دون أن نظن أن الأولوية للذين يستمعون لحشرجة الموت بانتظار سرير فارغ في غرفة – الوداع الأخير– المركزة. أخيرا، لا تثقوا بأرقامي ولو بنسبة 50%: لا أحد يمتلك، رغم الفائض الضخم، رقما دقيقا بين يديه.