في الصيف يثقل الوقت، وتتلاصق بُرْهَاته مكوّنةً حجرا يضغط على القلب والأعصاب. فائض من السأم يتكافأ مع التوقّف عن حركة الحياة المعهودة والمنضبطة في جدول الدراسة والعمل. الإجازة بقدر ما تفرح وبقدر ما تقدّم من فرصة الراحة، إلا أنها في الوقت نفسه تعني حصار الوقت والحيرة في تصريفه. أتحدّث عن الغالبية من العائلات والأفراد، مَن لا يعرفون السياحة الخارجية وتقعد بهم الظروف عن إدراك فضيلة الاستجمام وتجديد النشاط.

هذا المجموع من السكان والمقيمين يحتاجون إلى ما يفتتون به صخرة الصيف الجاثمة.. يحتاجون إلى المتعة، يلين بها الوقت ويكون لهم ومعهم.

في المنطقة الشرقية قدّمت شركة أرامكو السعودية برنامجا رائعا سبّاقاً يجمع ما بين الترفيه والتثقيف، ويستفيد منه جميع فئات المجتمع من الجنسين؛ صغاراً وكبارا؛ أفراداً وعائلات. فعلى مدار شهر كامل يمتد من الثالث والعشرين من رجب إلى الرابع والعشرين من شعبان، يحتضن معرض أرامكو السعودية بمدينة الظهران "فعاليات صيف 31".. وهي برنامج متعدد الأقطاب الثقافية حيث مروحة الفن تأخذ القلب منه عبر المعارض الفنية المتعددة (الفنون التشكيلية؛ الخط العربي؛ النحت؛ التصوير الضوئي؛ الجرافيك) والندوات والمحاضرات المصاحبة لهذه الاحتفالية الثقافية الكبيرة يشترك فيها سعوديون وضيوف من الدول الخليجية والعربية والإسلامية والأجنبيةٍ (عُمان؛ الكويت؛ البحرين؛ الأردن؛ مصر؛ سوريا؛ تونس؛ الجزائر؛ المغرب؛ تركيا؛ الصين؛ سويسرا). هنا تجمّع يستقطب الفنون وخبرات الفنانين وعصارتهم المعرفية باللقاء المباشر والعرض الحي وعبر المحاضرات والورش الفنية التي غطّت إبداعات "فعاليات صيف 31".

وربما أكثر ما يجذب ويلفت الانتباه في هذه الفعاليات، تلك الورش الفنية المخصصة للأطفال (هناك ورش خاصة للكبار) والتي تزيد عن 30 ورشة يختبر فيها الأطفال مواهبهم وقدراتهم الفنية؛ إبداع يتلمّس طريقه وثمة من يبذل ويدلّ على أسس فنيّة ومعرفية. كم هي البهجة التي تطفر من الملامح فيما الأصابع والبصر والذهن تشتبك جميعها بالأوراق وبالألوان. ازدحام الطفولة في هذه الورش يشرق له القلب. وربما في هذا الصنيع نوعٌ من الإجابة على سؤال اختطاف الأجيال وتمريرهم عنوةً عبر قناةٍ واحدة لها صوتٌ واحد يستأثر بهم ويبرمجهم على غير ما تريد لهم بلادهم ونحو ضفّةٍ ليس فيها ما يدعو إلى الحياة والاحتفاء بما فيها من جمال.

لا بدّ من تحيّة كبيرة لفكرة هذه الفعاليات وتحويلها ممارسة ميدانيّة، لا لتلطّف من جهامة الصيف وحسب، ولكن لتقول إن هناك خيارات أخرى ينبغي تقديمها وإتاحة الفرصة لتجريبها. كما أن الشكر نافلة للجنة المنظمة للفعاليات (عبدالرحمن السليمان؛ إبراهيم بن عمر؛ جمال الكباسي؛ عزيزة القرني؛ سميرة إسماعيل) التي واصلت التحضير والتجهيز في ثلاثة أشهر قاسية من العمل حتى إنجاز هذا الحشد الفني الباهر.