على بعد أقل من 4 كيلومترات من منطقة (البلد) في قلب جدة يقف بناؤه شاهدا على تاريخ ستة عقود مضت من تاريخ إنشائه، وإذا صادف أن سرت يوما في طريق المدينة (الطالع) باتجاه الشمال، سيلفت نظرك بناؤه الفخم ومئذنته الكبيرة المطلة على النصف الغربي من المدينة.

إنه جامع الملك سعود، بلغة الأرقام، الذي يعتبر الأكبر من بين مساجد المدينة، إذ يسع بأروقته أكثر من خمسة آلاف مصل، ويقول عنه الأكاديمي بكلية العمارة الإسلامية جامعة أم القرى محمد عبدالله "الجامع صمم بعناية شديدة يلمسها كل من زاره".

ويضيف المعماري الأكاديمي في حديثه إلى "الوطن": إن النقوش الداخلية التي اعتمدت في تصميم الجامع من العناصر المعمارية المشاهدة في كثير من الأنماط المعمارية الإسلامية ولا يمكن اعتبارها رمزا للعمارة المملوكية وإنما أحد عناصرها.

قصة إنشاء الجامع تعود إلى عام 1955 في بدايات عهد الملك سعود حين انتقل إلى قصر خزام تاركا قصوره في منطقة الرويس (ومناطق بجوارها سميت فيما بعد بحي الشرفية)، وقرر إنشاء "مدينة الملك سعود العلمية".

تواصلت مسيرة الجامع ببنائه القديم إلى أن قررت وزارة الحج والأوقاف (وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف حالياً) في عام 1987 ترميم الجامع وإعادة بناء أجزاء كبيرة منه تحت إشراف المعماري المصري عبد الواحد الوكيل الذي تتلمذ على يد المعماري الشهير حسن فتحي ويعرف عنه أنه من أشد المدافعين عن العمارة الإسلامية، ويستلهم في أعماله النماذج القديمة منها، مع محاولة تطعيمها بلمسات حديثة.

في مشروع ترميم جامع الملك سعود استوحى الوكيل الطراز المعماري لمسجد ومدرسة السلطان حسن في القاهرة، التي تميزت بمآذنها المملوكية الطابع وقبابها المميزة.

فعمد إلى تصميم مئذنة يتيمة للجامع بارتفاع ناهز الـ60 متراً، وحرص على وضعها في زاوية بصرية بحيث تملاً الفراغ المحيط بها، ويشاهدها المار بالجامع بكل سهولة.

يعيب بعض على تصميم الجامع إضاعة مساحات كبيرة منه لصالح الأعمدة الخراسانية ذات الحجم الكبير، التي استلزمتها طبيعة البناء ذي القباب المتعددة، ويرونها أفقدت الجامع ميزة التواصل البصري بين الصفوف.

وتتميز الساحة الداخلية للجامع بوجود سقف زجاجي شبه معتم يغطيها بشكل كامل، وهو ما ينتقده عبدالله، الذي يرى في إقحام هذه المظلة ذات التكوين الحديث إخلالاً بالصورة العامة للمسجد الذي بني على طراز "مملوكي".

ويبالغ المهتمون بالعمارة إلى وسم المسجد بـ"الشقيق الأصغر" لمسجد ومدرسة السلطان حسن بالقاهرة، وهو المسجد الذي يوصف بأنه يمثل النموذج الأبرز لمرحلة نضوج العمارة المملوكية، وبدأ بناؤه في عهد السلطان حسن بن الناصر محمد بن قلاوون سنة 1356م.

الشارع بازدحامه الدائم وجلبته، لا يترك للعابر فرصة أن يتأمل هذه التحفة المعمارية الأنيقة، ويرى المعماري محمد عبدالله أن الوصول إلى الجامع أصبح متعسراً نظراً لازدحام السير وعدم توفر مواقف للسيارات تتلاءم وسعة الجامع، فالمواقف الشمالية والشرقية تتسع بمجموعها لـ220 سيارة فقط، فيما رواد المسجد بالآلاف، مما يسبب ازدحاما في الشوارع الضيقة المحيطة به.